الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
وبعد
الاعتراف
بفضل الآخرين، من صفات الأنبياء ومن أسباب النصر والتوفيق
لاشك
أن التواضع والاعتراف بقدرات الآخرين وإنزال الناس منازلهم ووضع الرجل المناسب في المكان
المناسب من أهم أسباب النجاح وكسر الحواجز النفسية والمادية مع الأنصار والمتعاطفين
ومع الأعداء والحاقدين، فحينما يتم اختيار الرجل الحازم المنضبط المتواضع السهل اللَّين
للتعامل مع الأنصار فسيدير دفة الأمور ويتجاوز الفروقات والخلافات بالطريقة الأنسب
والأنفع للمصلحة العامة، وكذلك فإن اختيار الرجل الحازم المنضبط والقوي الشديد للتعامل
مع الأعداء، وهذه الشخصيات متوفرة في كل حركة ودولة، إلا أن الذي يندر هو أن تجد رجل
بجميع الصفات حيث يكون حازم ومنضبط ومتواضع وليّن وقوي وشديد ويستطيع أن يقدر كل موقف
ويتعامل معه بما يناسبه، ولذا كان العمل الجماعي ضروري لإنجاح المهمات الكبيرة والتي
تحتاج كل الوسائل والعقليات والنفسيات، فهذا سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم وهو نبي
الله وكليمه يقول لربه تعالى: "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ
أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا
* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا" فقال له ربه تعالى:
"قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى"، هذه المطالب من سيدنا موسى عليه
السلام هي اعتراف منه بفضل أخيه هارون وقوة بلاغته ومهارته في الحوار وفصاحته في اللسان
وهذا سينفع سيدنا موسى عليه السلام بإيصال دعوته بأسهل أسلوب وأقواه فتجتمع; قوة المعجزات
الميدانية مع قوة المعجزات البيانية والإيضاحات البلاغية وهذا تكون قد توفرت كل أساليب
ووسائل التبليغ ثم هذا طلب من موسى لكي يعزز الله موقفه بأخيه هارون تعزيزا خاصا وعاما،
فالتعزيز الخاص هو شد الأزر والمشاورة والمساندة الميدانية والإعانة على طاعة الله،
فلما كان هذا التواضع من موسى واعترافه بأفضلية أخيه جاءت الموافقة الربانية مدعومة
بالنصر البياني والذي تبعه النصر الميداني.
ولهذا
فإن الاعتراف للآخرين بالفضل والمكانة ورجاء الخير
لهم من صفات الأنبياء ومن ورث أخلاقهم من الصالحين والصادقين والمخلصين.
والتعالي
والتكبر على الناس وتقزيم قدراتهم من صفات الشيطان:
قلت
سابقًا أن الاعتراف بفضل الآخرين هو من صفات الأنبياء ومن أسباب النصر والتوفيق، وعلى
العكس من ذلك فإن التعالي والتكبر على الآخرين وتقزيم قدراتهم من صفات الشيطان، وهو
من الأسباب المؤدية للهزيمة والانكسار والتخذيل الرباني، وهو ما حدث مع الشيطان الرجيم
حين تعالى وتكبر ورفض الانصياع لأمر الله تعالى:" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ
أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ"
؟ فرد عليه إبليس اللعين قائلًا: "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ
نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"، فاستكبر وتعالى على آدم وعصى أوامر ربه تعالى،
فحلت عليه لعنة الله تعالى إلى يوم الدين وفي الآخرة هو من الخاسرين.
فكانت معصية الشيطان لله واستكباره واستهانته
بآدم سبب لغضب الله عليه وتخذيله وإذلاله في الدنيا والآخرة.
ومن
هنا يتضح لنا جليًا الفرق بين الاعتراف بمكانة الآخرين واحترامهن وإنزالهم منازلهم
وأثر ذلك في إنجاز التكاليف وجلبه لتوفيق الله تعالى، وبين الاستعلاء على الآخرين وإنكار
فضلهم والاستهانة بقدراتهم وكيف أن هذا يفشل العمل ويدمره ويحجب توفيق الله تعالى بل
يجلب يجلب غضبه وتخذيله وهذا يأتي بالهلاك والخسران العظيم في الدنيا والآخرة.
والله ولي التوفيق
وآخر دعوانا أن الحمد
رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه/ تيسير محمد
تربان . أبو عبد الله.
فلسطين/غزة
17/1/2019م
إرسال تعليق