الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
الحكيم: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ"، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد القائل:
"لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا،
وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا،
الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ،
وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ
عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".
وبعد
التشويه والإشاعات وأثرها على الدعاة وكيفية مواجهتها
توطئة:
لقد جعل الله تعالى قوة الحق في ذاته حيث
أنه يدفع كل شبهة أو تشويش حوله بالحكمة والعقل والإقناع، وبما أن الإسلام هو دين الله
الحق الذي أنزله من فوق سبع سماوات ووثقه بالحجة والبرهان والمعجزات القاطعات، فلقد
عمد أهل الباطل والضلال في حربهم على الإسلام بالتشويه والتشغيب عليه وعلى دعاته و
بقوة السلاح تارة أخرى، كما أنه وصل بهم الحال للطعن في أعراض الدعاة والاستهزاء بهم
واتهامهم بأبشع التهم وأحقرها، يعتمد أهل الباطل والضلال على هذه الأساليب الخسيسة
الخبيثة وهم يعلمون أثرها السلبي في المجتمع على الدعوة و الدعاة، كما فعلوا من قبل
مع النبي صلى الله عليه وسلم منذ سماعهم بدعوته، فقالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون وفرق
جماعتهم.. إلخ، وكذلك كان حال الأنبياء من قبل، قال الله تعالى: "كَذَلِكَ مَا
أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
* أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ".
أثر الإشاعات والتوجيه الرباني في التعامل
معها:
ولشدة أثر هذا على النفس وقوة تأثيره فيها
حيث يسبب لها ضيق الصدر والحزن الشديد وربما المهالك والضغط النفسي الذي يؤذي أكثر
من الإيذاء الجسدي، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر والاستعانة عليه
بالذكر والصلاة حتى يأتي وعد الله الذي ينهي به كل حياة، ألا وهو الموت، قال الله عز
وجل: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْيَقِينُ"، ولكن متى استطاع المسلم التخلص من ذلك وإسكات هذه الأصوات الشيطانية
وجب عليه لجمها وإخمادها حتى لا تؤذي أحدًا من المسلمين، قال الله تعالى: "وَلَمَنِ
انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"؛ فالذي ينتصر مِمَّن ظَلَمه، ما عليه من مُساءلة،
وما عليه من مؤاخذة، وما عليه من ملامة، وما عليه من سبيل، قال تعالى: "وَالَّذِينَ
إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ".
لفتة: ومن المؤسف أن نجد بعض الحركات الإسلامية
أو بعض الأفراد الناشطين في مجال الدعوة الإسلامية يعتمدون على هذا الأسلوب لإسقاط
منافسيهم بشيطنتهم والتشغيب حولهم وتشويه سمعتهم بالكذب وشهادة الزور وتأليف الروايات
الكاذبة والدعايات المنحطة، وقد نسوا أو تناسوا قول الله تعالى: "مَّا يَلْفِظُ
مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ". وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها
درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم".
وكذلك فإن أعداء الإسلام يعتمدون أسلوب
التنفير من الدعوة والدعاة وذلك من خلال التغرير بالناس وتخويفهم من اتباع الدعوة أو
الاستماع لدعاتها؛ لأنهم يعلمون أنه متى سمع الناس الدعوة الإسلامية وعلو مقاصدها ونبل
أهدافها فإن جلهم سيتبعها وهذا سيجعل كبرياء أعداء الله وسلطانهم ومصالحهم المبنية
على ظلم الناس وابتزازهم في مهب الريح ثم إلى زوال، وهذا أسلوب شيطاني قديم ومتجدد
وهو الأسلوب الذي استخدمته قريش مع الطفيل بن عمرو الدوسي، حين حذرته من النبي صلى
الله عليه وسلم ونصحته بألا يستمع إليه إلا أنه وبتوفيق الله سمع من النبي عليه الصلاة
والسلام ما جعله يدخل الإسلام في حينه مباشرة، وأرى أن من المناسب أن أضع قصته كاملة
هنا في هذا المقال ليتتبعها القاريء بهدوء ويركز في تفاصيلها بدقة ليرى ويقف على جزء
مهم وخطير من أساليب أعداء الإسلام في محاربتهم لله ودينه.
الطفيل بن عمرو الدوسي
وكان رضي الله عنه رجلًا شريفًا شاعرًا
لبيبًا، رئيس قبيلة دوس باليمن، قدم مكة، وذلك بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من
الطائف، فمشى إليه رجال من قريش، وكانوا لا يسمعون بقدوم أحد من العرب عليهم، إلا استقبلوه،
وحذروه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوه بكل نقيصة خشية أن يسلم، فقالوا له:
يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا،
وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين
الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمعن
منه شيئا. قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي -أي ما زالوا يخوفوني- حتى أجمعت ألا أسمع
منه شيئا ولا أكلمه، وحتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفًا، فرقًا من أن يبلغني
شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه. قال الطفيل: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت منه قريبًا، فأبى الله إلا أن
يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل
لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟
فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى بيته، فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد؛ إن قومك قد
قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف
لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا حسنا، فاعرض عليّ أمرك،
قال: فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا عليّ القرآن، فلا والله
ما سمعت قولًا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا
نبي الله! إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله
أن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "اللهم اجعل له آية".
الخاتمة:
يجب على المسلم أن يتق الله في المسلمين
وأن يتجنب الإشاعات وألا يروج لها أو ينشرها أو يرددها بأي حجة أو هدف، قال الله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"،
وقال: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا
لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ
* وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا
سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ".
كما يجب عليه أيضًا أن يصبر ويحتسب عند
الله إن تعرض للإشاعات والتشويه سواء من المسلمين أو الكفار.
هذا، والله من وراء القصد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم
كتبه/ تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
28/1/2019م
إرسال تعليق