GuidePedia

0
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
كيف حافظت  طالبان على بنيانها رغم كثرة المتآمرين عليها ؟ وكيف تقدمت على الأمريكان ؟
توطئة
سبعة عشر عامًا مضت على اجتياح أمريكا لأفغانستان ولازالت طالبان تواجهها بكل قوة وثبات، بل إننا نلاحظ أن قوة طالبان قد تقدمت عما كانت سابقًا، كما أن شعبيتها على مستوى العالم الإسلامي في تزايد مستمر، والأهم من ذلك أن خط سيرها الاجتماعي داخل أفغانستان جيد جدًا بدليل أننا لم نسمع عن خلافات كبيرة تُذكَر، بغض النظر عن بعض الخلافات الصغيرة والجانبية والتي لا تخلو منها دولة مستقرة أو غير مستقرة، أما ما حدث ولازال يحدث من صدامات بين داعش و طالبان فإن هذا لا يدخل ضمن التوتر والاقتتال الداخلي بل هو داخل ضمن منظومة المقاومة  ضد الاحتلال لأن داعش هي جزء من منظومة الاحتلال ولها دورها الخياني والذي تقوم به مستغلة الغلاة والجهال والخونة والمندسين لتنفيذه، كما أن الجيش الأفغاني العميل له دوره الخياني الذي يقوم به من خلال المنهزمين والخونة الذين باعوا أنفسهم رخيصة للهوى والشيطان مقابل بعض الأموال والامتيازات والنفوذ، ولذا فإن القتال ضد داعش أو الجيش العميل لأمريكا لا يُعتَبر قتالًا داخليًا بل هو جهاد في سبيل الله تعالى ضد الاحتلال الأمريكي وأدواته النجسة العفنة.

اعتدال منهجية طالبان في استقبال المسلمين في صفوفها وأثره الإيجابي على مسيرتها الجهادية
طالبان هي حركة إسلامية وسطية المنهج واضحة المعتقد تتعامل مع غيرها جماعات الإسلامية  بكل صدق وإحسان وبصدر رحب ولسان لين سواء كانت الجماعة صديقة مناصرة أو مخالفة ناقدة، كما أنها تتعامل مع الكفار المسالمين أو المحاربين من منطلق شرعي وبحسب اجتهاد علماءٍ ربانيين باعوا أنفسهم لله تعالى، فلم يثبت يومًا أنها ساومت على دينها وعقيدتها أو على أفغانستان وشعبها المسلم الحر الأبي، بل كانت ولازالت من أقوى الحصون المدافعة عن الدين والأرض، ولذلك أحبها المسلمون وبادر المخلصون للدفاع عنها سرًا وجهرًا.
لم يثبت يومًا أن طالبان ألزمت عموم المسلمين بتبني قناعاتها وأفكارها ولم يثبت يومًا أنها تواطأت مع الغلاة في تكفيرهم لبعض المسلمين ولو باجتهادات ظاهرها النية الحسنة والمزينة بأجمل العبارات وأرقها، كما أنه لم يثبت أنها تواطأت مع المتساهلين في أحكام الدين وفتاويه، بل كانت ولازالت وستظل بإذن الله صمام أمان للحفاظ على العقيدة الإسلامية وتعاليمها، كما أنها كانت ولازالت وستظل بإذن الله ذليلة على المؤمنين عزيزة على الكافرين، كجبل كبير أشم وجهه للمسلمين يحمل الحب والرحمة واللين، وظهره للكافرين الغزاة المعتدين يحمل النار والسموم والعذاب المهين.
ولذلك كان لتلك المنهجية الأثر الطيب بين المسلمين كما كان لها الدور المهم في ازدياد قوة طالبان وإقبال المسلمين عليها، وهذا بدوره أدى لصمودها وتحملها الضربات الأمريكية المتتالية سواء الضربات الإعلامية أو المعنوية أو العسكرية، كما له الدور الأساسي في صمودها وتقدمها في كثير من المناطق وتحريرها والحفاظ عليها.

سؤالان يطرحهما بعض الأفاضل وهما، الأول: لماذا لا تنشط طالبان إعلاميًا ؟
الجواب: طالبان نشطت ولازالت تنشط في المجال الإعلامي بحسب قدرتها ووسعها إلا أن أمريكا تلاحق هذه الأنشطة أولًا بأول وتقوم بضربها بغض النظر عن المكان الذي يكون منه البث الإعلامي، كما أنه لا يوجد مكان واحد آمن تتمكن طالبان استخدامه للبث الإعلامي وكذلك لا توجد دولة واحدة قادرة على تحمل مسؤولية استقبالها لقناة إعلامية تتبع لطالبان، إلّا أنه من المحتمل أن تقبل روسيا طلب طالبان حال قدّمته لها وأن تقيم لها قناة إعلامية تخاطب من خلالها العالم وذلك نكاوة في أمريكا ولاستنزافها، إلّا أن طالبان لم تقدم على تلك الخطوة والتحرك تجاه روسيا وذلك بسبب موقفها المعادي لأهلنا في الشام والجرائم التي تقوم بها هناك.
ولذلك نقول إن طالبان تنشط إعلاميًا بكل قوتها ولكن ضمن المسموح به شرعًا وبما يحافظ على المسلمين وشعورهم ومعنوياتهم. والله الموفق.

والسؤال الثاني هو: لماذا لم تقتحم طالبان المدن الكبيرة حتى الآن ؟
الجواب: يعتبر صمود طالبان في وجه الحملة الصهيوصليبية  والتي تقودها أمريكا ومعها حلف الناتو وعملائها، يعتبر صمودًا أسطوريًا و نصرًا كبيرًا حيث إن مثل هذه الهجمات والتي تعرضت لها طالبان بل وأقل منها أنهت دولًا كبيرة وبددت جيشها وجعلتها نسيًا منسيًا، ولذا كان الصمود هنا والمحافظة على الحركة وهرميتها نصرًا حقيقيًا بكل معاني النصر والانتصار، ثم إن طالبان حققت كثيرًا من الانجازات وتقدمت على أمريكا وحلفائها ودحرتها من كثير من المناطق المهمة وهذا هو المطلوب حاليًا، حيث يتمكن المجاهدون من التمركز والتجهز للانطلاق في حرب استنزاف تؤدي في نهايتها لدحر أمريكا وكسر شوكتها وهذا سيكون بإذن الله بل سيكون قريبًا بعون الله وتوفيقه.
أما عن عدم اقتحام طالبان للمدن الكبيرة فذلك للحفاظ على المواطنين ومعاشهم والذين لازالوا يخوضون حروبًا ضارية منذ زمن بعيد، حروبًا مع أكبر الدول العالمية وأقواها  وأشرسها، ولذا فإن الحال يتطلب التخفيف عن الأهالي قدر الإمكان وهذا ما تفعله طالبان، ومع ذلك فإن طالبان تقيم مواقعها العسكرية وترابط قريبًا من تحركات الأمريكان وتقطع الطريق عليهم في كل حال وحين  وتضربهم بلا هوادة، مما أدى لكثير من الخسائر في صفوف أمريكا وحلفائها وبلا شك، فإن هذا سيؤدي في نهايته لانسحاب أمريكا من أفغانستان.
 فإن حرب العصابات التي تعتمدها طالبان لملاحقة أمريكا وحلفائها واستنزافهم هي الخيار الأفضل في هذه المرحلة، وذلك لأن أمريكا وحلف الناتو يأتون بالتمويل اللازم لقواتهم من مناطق بعيدة وهذا يسهل عملية قطع الطريق عليهم واصطيادهم وضربهم، كما أن الجبال تجعل مهمة ملاحقة أمريكا للمجاهدين صعبة ومعقدة ومكلفة جدًا، ولذا تتعمد طالبان على إبقاء المعارك ضمن هذه المناطق ليسهل عليهم التخفي والتحرك والقيام بالكمائن وليصعّب الحركة والتتبع على الأمريكان، خصوصًا إذا لاحقوا المجاهدين بالطائرات المروحية فإن الطائرات ستكون قريبة من المجاهدين أثناء المطاردة على الجبال وهذا يسهل ضربها وإسقاطها، ولذا فإن أمريكا تتلاشى ذلك ما يجعل قوتها مقيّدة وحركتها معقدة.
كما أن طالبان تعتمد على ضرب  الاحتلال الأمريكي وحلفائه وعملائه داخل المدن بالعمليات الاستشهادية والانغماسية  واقتحام مقراتهم ومراكزهم مباشرة وهذا يجعل أمريكا ومن معها في حالة استنفار على مدار الساعة وهذا سيؤدي لاستنزافهم وهزيمتهم تدريجيًا.


اقتحام طالبان لمدينة قندوز شمال أفغانستان وسيطرتها عليها ثم انسحابها منها
قبل عام تقريبًا عزمت طالبان على اقتحام مدينة قندوز وهي من المدن الكبرى شمال أفغانستان وبالفعل نجحت بذلك ودحرت القوات الألمانية  وعملائها من الجيش الأفغاني وسيطرت على كامل المدينة، ثم تدخلت أمريكا وبدأت بقصف المدينة بشكل عشوائي وكثيف وعنيف جدًا فانسحبت طالبان للحفاظ على الأهالي و ولقطع الطريق على أمريكا والتي ترى في وجود طالبان ذريعة لضرب المدينة في مناطقها الحيوية وغير الحيوية وهدمها على رؤوس ساكنيها.
فكانت هذه خطوة موفقة من طالبان حيث تأكد للجميع أن هدفها الأول هو الحفاظ على المسلمين وأرواحهم وليس السيطرة و فرض النفوذ.


ملاحقة طالبان للجيش الأفغاني التابع لأمريكا
كما أن طالبان تواصل هجماتها على الجيش الأفغاني العميل لأمريكا فهو مطيتها التي تمتطيها لتجاوز تلك المرحلة العصيبة عليها وعلى حلفائها، ولذا فإن ضرب عملائها في الجيش الأفغاني يعتبر ضربات قوية في قلب مشروعها التوسعي كما يعتبر خنجرًا سيسوقها في النهاية لدفع جنودها في ميدان المعركة لتكون وجهًا لوجه في مواجهة مجاهدي طالبان أو سيؤدي لانسحابها مهزومة مدحورة من أفغانستان وفي كلا الحالتين فإن النتيجة النهائية هي هزيمة أمريكا وحلفائها وانتصار طالبان ومن معها من المخلصين، وهذا وعد الله الذي لا يخلفه.

الخاتمة
لاشك أن صمود مجاهدي طالبان أمام المغريات الأمريكية وعدم تجاوبهم مع أطروحاتها حول الحل السياسي، وإصرارهم على عدم القبول بأي مساومة على دينهم أو أرضهم جعلهم كتلة صلبة تُحطِم ولا تتحطم، تَكسِر ولا تُكسَر، حتى تهاوت معنويات الأمريكان وخارت قواهم على عتبات صمودهم وثباتهم.
ولازال أبطال طالبان يؤكدون ألّا مفاوضات على العقيدة أو الوطن وأنه لا خيار أمام الأمريكان وحلفائهم إلّا الانسحاب دون قيد أو شرط، وأنه في حال وافقت أمريكا على الانسحاب فإنهم مستعدون لتأمين خط انسحابها من أفغانستان فقط. والمقصود بالانسحاب هنا أي الانسحاب الكامل دون قيد أو شرط، وأن تعود أفغانستان حرة يحكمها أبناؤها بكتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه/ الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
8-1-2018م

إرسال تعليق

 
Top