الحمد لله رب العالمين ناصر المستضعفين ومعز
المؤمنين وهازم المتجبرين ومذل الكافرين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين
قائدنا محمد القوي الأمين
وبعد
دعوة الإسلام بين اللسان والسنان
توطئة
الإسلام دين رحمة وشهامة رحم الله به العباد وحفظ به حقوقهم
وأعراضهم، إلّا إن المجرمين وقفوا في طريق وصوله للعالمين بالكلمة والتوضيح
والإفهام بالرفق واللين، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلّا أن سلّ عليهم
السيف وغزاهم, فكان مما استقر عليه أسلوب انتشار الإسلام بين الدعوة والتبليغ إلى
الناس كافة هو الكلمة الطيبة والتوضيح والإفهام بالرفق واللين وبالتعامل الحسن
وأحيانًا بالقوة والسيف وذلك عندما لا يكون خيار للنبي وصحبه غير ذلك، وعلى هذا
سار الخلفاء الراشدون ومن بعدهم.
الإسلام دعوة الرسل كافة
أرسل الله تعالى الرسل جميعهم على عقيدة التوحيد، وكان مضمون
الإسلام في رسالة كل رسول منهم هو الخضوع والاستسلام لله وحده.
والإسلام هو اسم لكل رسالة سماوية، حتى رسالة الرسل الذين تزامنوا
في حين وزمن واحد كانت تُسمى كل منها
الإسلام، كما حدث في تزامن إرسال الله لسيدنا زكريا ويحيى وعيسى، حيث جمعتهم حقبة
من الزمن كانوا كلهم رسل في وقت واحد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "..الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ
شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ" أي شرائعهم مختلفة ولكل منهم شريعته التي بعثه
الله بها ولكنهم جميعًا كانوا على دين واحد وهو التوحيد، فعقيدة التوحيد لم تتغير
أبدًا منذ أرسل الله الرسل إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولكن الذي كان
يتغير هو الشرائع والأحكام. فالله تعالى بعث كل رسول لقومه خاصة إلّا سيدنا محمد
فلقد بعثه الله للعالم أجمع، عربه وعجمه إنسه وجنه. قال عليه الصلاة والسلام:
" أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي..... إلخ، وذكر منها:
"كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى
النَّاسِ عَامَّة"، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: "..وَأَنَا
خَاتِمُ النَّبِيِّينَ "، وهكذا ختم الله
تعالى الرسالات برسالة سيدنا محمد عليه
الصلاة والسلام وجعلها هي الدين الحق الذي لا يقبل غيره، قال تعالى: " إِنَّ
الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ "، وبما أن الإسلام هو الاستسلام لله تعالى؛ لهذا وجب على كل أهل
الأديان اتباع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وإلّا فهم خارجون عن الإسلام وليسوا
من أهله، بل هم من أهل الكفر والطغيان.
*الفرق بين الرسول
والنبي؛ هو أن الرسول يكون صاحب رسالة مستقلة، أما النبي فإنه يأتي لتعزيز دعوة
رسول ومناصرتها والدعوة إليها.
دعوة الإسلام بين اللسان والسنان
خلق الله تعالى الناس وهو ليس بحاجة لهم وأمرهم بعبادته وهو غنى
عنهم ووعدهم بالجنان والنعيم الدائم إن استقاموا على أمره وهذا من كرمه وفضله، وكذلك
توعدهم بالعذاب الأليم إن عصوه وخالفوا أمره وهذا من عدله، وأرسل لهم رسلًا
بالبينات مبشرين ومنذرين وهذا من لطفه ورحمته. ومن حكمته تعالى أنه لم يترك دينه
ولا رسله مشاعًا لكل أحد يقول أو يفعل فيهم ما يشاء، بل حد الحدود وجعل حماه
محارمه وأمر المؤمنين بالدفاع عن دينه
ورسله جميعًا وبمنع أي أحد من تجاوز حماه وحدوده ورسله.
قال الله سبحانه وتعالى: "لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ".
أرسل الله تعالى الرسل بالبينات لهداية العالمين وإقناع
المترددين وإفحام المشككين وإقامة الحجة على المعاندين. وكذلك أنزل على الرسل
كتبًا فيها هداه المبين و الحق الذي لا ريب فيه والميزان وهو العدل. وذلك ليقوم
الناس بالقسط؛ أي بالعدل وإحقاق الحق وإنصاف الخلق، وحفظ حقوق الناس عامة المستضعفين
منهم خاصة، ولكف وقوع الظلم ومنعه، ولردع الظالم وأعوانه. ومعلوم أن كل ما سبق
يحتاج للقوة المدججة بالسلاح الإقناعي بالحجج والبراهين والحوار، وبالسيف البتار
الذي يقف في وجه الطغاة الظالمين ويوقفهم عند حدودهم، ولذا قال تعالى وأنزلنا
الحديد فيه بأس شديد؛ وهذا دليل على وجوب مجاهدة الظالمين ومقاتلتهم في حال رفضوا
الاستجابة لداعي الله ورفضوا دعوته أو رفضوا إحقاق الحق ورد المظالم لأهلها أو رفضوا
الاثنتين معًا، فهذا توجيه رباني وتأكيد على أن قيام المسلمين بواجب الدعوة إلى
الله ورعاية أحوال الناس يحتاج إلى القوة والبأس الشديد والتي عمادها ومعتمدها على
السلاح بأشكاله والذي أصل مادته وصناعته من الحديد، والذي فيه أيضًا منافع أخرى
للناس؛ والمقصود بالمنافع هنا هو كل ما يحتاجه الإنسان من المصنوعات من الحديد
كالسيارات والقطارات والمصانع والسكك والجسور و الأواني.. إلخ. ثم قال تعالى
وليعلم الله من ينصره بالغيب ورسله أي ليرى الله من ينصره وينصر نبيه ودينه بعد
هذا التوجيه الرباني للعباد وبعد إقامة الحجة عليهم، فالله تعالى يعلم مآلات الناس
وكيف سيكون حال كل واحد منهم في الدارين ولكنه برحمته لن يحاسب أحدًا إلّا بعد
وصول الدعوة إليه وإقامة الحجة عليه، فمن آمن والتزم وقام بما أمر الله به فاز
بالرضوان الرباني والجنان ومن لم يلتزم وخالف أوامر الله تعالى حق عليه غضبه وعذابه.
ولذا فإن القيام بنصرة الدين والمسلمين واجب على كل المسلمين كل بحسب قدرته ولن
ينجو قاعد عن نصرة الإسلام والمسلمين إلّا الذين عذرهم الله بعذر شرعي معتبر
كالمرضى والعجزة والأطفال.. إلخ. ثم ختم الله تعالى الآية بقوله إن الله قوي عزيز؛
أي أنه تعالى قادر على أن ينتصر لدينه ورسله من المعاندين والمحاربين لهم ولكن هذه
سنته في خلقه أن جعل الأمر مدافعة بين الحق والباطل كما قال:
"وَلَوْ يَشاءُ
اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ". وهو
كذلك عزيز على كل مخلوقاته فأمره يجريه عليهم بـ كن فيكون.
الخاتمة
الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون بالحكمة والكلمة الطيبة والرفق
واللين، قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.." ولكن
إن استكبر قوم عن اعتناقه أو الخضوع إليه أو اعترضه قوم ومنعوا وصوله وجب قتالهم،
قال تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ
كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
أما الحال الذي تمر به الأمة الإسلامية اليوم وما يتعرض له
الإسلام من محاربة واعتداء فإنه يُوجِبُ القتال على كل قادر من المسلمين حتى دحر
الغزاة الذين غزو ديارهم فأفسدوا دينهم ومعاشهم ونشروا القتل والخراب في كل مكان،
قال تعالى: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.."، والمقصود بالفتنة هنا هو الشرك. أي الشرك والكفر
بالله أكبر وأشد وأخطر من القتل.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه/
تيسير محمد تربان
فلسطين
– غزة
24-
1-2018م
إرسال تعليق