GuidePedia

0
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ".
والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وقائد المجاهدين، القائل: "مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ.. " والقائل: "إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى".
هكذا نجحنا في تأسيس كتائب القسام وتثبيتها في انتفاضة الأقصى

توطئة
سطور أكتبها هنا أحكي من خلالها بعضًا من مسيرتي الجهادية حين كنتُ قائدًا في كتائب الشهيد عز الدين القسام، أوضح فيها بعض الأمور بطريقة لا تجلب ضررًا أمنيًا على أحد، سائلًا المولى عز وجل أن ينفع بها المسلمين وثوراتهم في وجه الطغاة والغزاة.
 فإن كتابة التجارب العملية والميدانية أمر ضروري لكي ينتفع بها الآخرون، فيعززوا صوابها ويتجاوزوا عن خطئها. والله الموفق

البداية
انطقلت انتفاضة الأقصى حرة أبية وسارت واثقة الخطى تحفها رعاية الله وتوفيقه،  فكانت قدر الله الذي أذل به الصهاينة المعتدين بأيدي عباده المجاهدين المخلصين الذين باعوا أنفسهم له، مبتغين بذلك مرضاته وتوفيقه والفوز بجناته. وكان ذلك في عام 2000م.
إلّا أن القيادة في الحركة -حماس- لم تكن متشجعة لخوض غمار الانتفاضة بشكل رسمي، وكانت ترى النأي بالحركة وأبنائها عن المشاركة فيها خوفًا من أن تكون حراكًا مفتَعَلًا من السلطة، لكشف أي أحد لازال يسعى لتفعيل المقاومة المسلحة ميدانيًا، لأن السلطة كانت قد وجهت ضربات قاضية للمقاومة المسلحة، لفرض الخيار السلمي كأمر واقع وخيار وحيد لا بديل عنه لنصرة القضية الفلسطينية، وكان هدفها إنهاء الكفاح المسلح فعليًّا وحصر السلاح في يد الأجهزة الرسمية التابعة لها، وكذلك كانت قيادة الحركة لا تريد أن تستغل السلطة هذا الحراك الثوري لتحريك المفاوضات الاستسلامية مع الاحتلال حسب اتفاقية أوسلو، خصوصًا أن السلطة حينها كانت هي التي تمثِّل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية صاحبة القرار والتقرير، ولأن جل قياداتها هم من حركة فتح والتي تتحرك ضمن برنامج سلمي موحد بقيادة رئيسها ياسر عرفات "أبو عمار".

الدوافع
ولأنني والإخوة الذين كانوا معي مِن أبناء الإسلام الذي لا يقبل الدنية في أهله، ولأننا من أبناء حركة حماس والتي ترفع شعار الجهاد هو الحل، ولأننا نشعر بعظم المسؤولية علينا والتي تُوجب علينا المشاركة مع أبناء قضيتنا في انتفاضتهم ومقاومتهم للمحتل الغاشم، كل ذلك وغيره دفعنا لمطالبة قيادة الحركة بتفعيل الكفاح المسلح والمشاركة في هذا الحراك الثوري والذي كان لم ينشط حينها لدرجة التواجد الملحوظ في الميدان، إلّا أنها كانت ترفض كل طلب، ولذلك بتنا نقتنع بأن مفارقة الحركة في هذه المرحلة تحديدًا في قناعتها بالعمل العسكري ضرورة، لأن الجهاد فرض عين و لنتمكن أيضًا من الالتقاء مع بعض الإخوة والذين كانوا مثلنا يتحركون فرادى وبشكل ارتجالي وذلك لنُشِّكل معهم بعض المجموعات لإقحام المقاومة العسكرية في الانتفاضة لعسكرتها، ولننتقل بها من الحجارة  و الملوتوف إلى البندقية والعبوّة.
في تلك اللحظة كان بعض الإخوة من كتائب القسام يعملون ولكن بشكل فردي وليس باسم الحركة الرسمي.

التجاوب المشروط من القيادة
عندما شعرت القيادة أن الشباب سيتفلتون ويذهب كل واحد منهم حسب اجتهاداته، سمحت بالعمل العسكري ولكنها في البداية اعتذرت عن توفير المال اللازم بسبب محدوديته حينها و لملاحقات السلطة لها والضربات التي تلقتها والتي استنزفتها و أثقلت كاهلها وفتت صفها وبددت جهودها منذ قدوم السلطة إلى غزة إلى ذلك الحين.
لم يكن اعتذار القيادة وإظهارها العجز مقنعًا لنا لكي يوقفنا عن المطالبة بتفعيل الجهاز العسكري بشكل رسمي بحيث تكون الحركة ككل هي الحاضنة للعمل العسكري وتبعاته.

 استجابت القيادة وسمحت بالعمل بالاسم الرسمي أي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام ولكن اشترطت علينا أنه وفي حال تبيَّن أن الانتفاضة مفتَعَلَة بين السلطة والاحتلال لاستدراج من تبقى من المقاومين لاعتقالهم  وتعرّضت لنا بالأذى، فعلينا أن نتحمَّل مسؤولية إقدامنا على حمل السلاح وتبعاته بأنفسنا وأنها أي القيادة ليس عليها أي مسؤولية، حتى قال لنا الأخ صراحة: لو سمحت القيادة باسم كتائب القسام بشكل رسمي ولكن عادت السلطة بعد ذلك لاعتقال المقاومين، فهل أنتم مستعدون أن تتحملوا مسؤولية حملكم للسلاح والمقاومة بشكل شخصي ؟ فقلنا له : نعم. وكان جوابنا هذا منطلقًا من حبنا للجهاد في سبيل الله والدفاع عن ديننا ومناصرة لشعبنا البطل في مقاومته للمحتل الغاشم.
وهكذا بدأنا العمل باسم كتائب القسام ولكن على مسؤوليتنا في حال تمكنت السلطة من السيطرة على الوضع وبدأت وعاودت ملاحقة المقاومة بشراسة كما كانت. قلت هنا: في حال تمكنت السلطة، لأنها لم تترك ملاحقة المقاومة واعتقال المقاومين على مدار تاريخها بل كانت تلاحقها كل وقت وحين، إلا أن اشتعال الانتفاضة فرض عليها التراجع  نسبيًا عن ذلك.
في هذه الأثناء كان هناك إخوة في الجهاز العسكري مطاردون ولكنهم لم يكونوا قد استقروا بعد، إلا أن التقاء المقاومين مع بعضهم من شتى تشكيلات أبناء شعبنا الفلسطيني المعطاء والحالة الثورية التي بدأت تنشط وتتكاثر أدى لسهولة تواصل الشباب مع بعضهم وتنسيق العمليات بشكل منظم، وهكذا بدأت الانتفاضة تشتعل أكثر وأكثر.
بعد مرور عدة شهور كان أول اجتماع لجهاز الدعوة في الحركة بعد الفرقة والشتات الذي ألمّ بها، بفعل قمع السلطة وملاحقة الاحتلال الصهيوني لها.
وفي هذه الأثناء كان القرار الرسمي في الحركة بتبني العمل العسكري بشكل رسمي، وكان قد تم. وبالفعل بدأت التواصلات  بين القيادة والشباب وبدأت المجموعات تتشكل والمهمات تتوزع .

دور بعض ضباط السلطة وجنودها في إنجاز ذلك وتسهيله
بالرغم من أن السلطة كانت تلاحق المقاومة عمومًا وحماس خصوصًا، إلّا أن بعض أبنائها من الضباط والجنود كانوا سبّاقين في حمل السلاح وإشعال الانتفاضة ومساعدة المقاومة، فكانوا يشاركون في العمليات العسكرية بل كثير من العمليات هم الذين قاموا بها كليًا، كما أنهم كانوا يساعدوننا في كتائب القسام في كل شيء، من توفير المواد والسلاح و تأمين الطرق إلى الرصد والمتابعة إلى التنفيذ وتأمين الانسحاب.. إلخ. حتى أن كثيرًا من العمليات التي تبنتها كتائب القسام كان لهم باع طويل ودور كبير فيها، وهذا أرهق السلطة وشتت جهودها في ملاحقتها للمقاومة بشكل عام، حيث أصبحت منشغلة بمتابعة ضباطها وأبنائها الذين يتحركون من داخلها لمقاومة الاحتلال الصهيوني، بعد ذلك بدأت المقاومة تستقطب هؤلاء الضباط والجنود فاستقطبت كثيرًا منهم وانضموا لصفوفها ومنهم من بقي ملتزمًا بصفوف السلطة وهو لازال من موظفيها إلى اللحظة.

يتبع لاحقًا: إن كان في العمر بقية سأكتب حول عدة أمور. أهمها:

1- رأي كل من الشيخين الشهيدين أحمد ياسين و صلاح شحادة رحمهما الله،  في المقاومة وكيفية إدارتها، مع تعليق مختصر على رأي كل منهما، مع العلم أن تعليقي الذي سأذكره هنا كنت قد قلته لهم من خلال لقاءات خاصة جمعتني بهم حينها ويعلمه بعض المطلعين أيضًا.
2-أهمية دور القائد الشهيد جمال أبو سمهدانة" أبو عطايا رحمه الله"، في إشعال انتفاضة الأقصى وتصاعد العمليات العسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
3- بروز فكرة التصنيع والتطوير التقني وتفعيله ميدانيًا.
4-متفرقات تفصيلية ميدانية حول كل ما سبق.
5-توابع.

هذا، والله من وراء القصد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه/ الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
أبو عبد الله
فلسطين – غزة
6-12-2017م

إرسال تعليق

 
Top