ضرب برجي التجارة والبنتاجون، بين صوابية الاختيار وخطأ التوقيت.. وضرورة
المشورة
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أصحابه ومن
تبعه إلى يوم الدين
وبعد
توطئة
قدر
الله تعالى أن يكون الناس مكملين لبعضهم بعضًا وهذا شامل في القادة والجند والرئيس
والمرؤوس، ولذا أمرنا الله تعالى بالمشورة والتشاور كل بحسب قدرته ومقدرته العقلية
والمكانية، قال تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" وقال:
"وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ".
ففي
المشورة سعة في الرأي وفسحة في القرار وبحبوحة في المخارج من المآزق والمدلهمات.
المشورة تؤلف بين القلوب وتجلب التوفيق والسداد
كما أن المشورة تؤلف بين القلوب وتقربها لبعضها
بعضًا وهذا يستدعي من القائد وصاحب القرار أن يكون واسع الصدر سليم القلب هينًا
لينًا سهلًا قريبًا من الناس، قابلًا بأن يترك رأيه وقناعاته لرأي غيره وقناعاته
إن بانت فيه الحكمة والصواب كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حين نزل على أدنى
ماء من مياه بدر إلى المدينة، وأشار عليه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح بغير
ذلك، وقال يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه
ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال عليه الصلاة السلام: بل هو
الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي
أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القُلُب – أي الآبار كثيرة الماء-،
ثم نبنى عليه حوضًا فنملأه، ونشرب ولا يشربون.
فاستحسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي وفعله.. إلخ". فلم يتمسك النبي عليه
الصلاة والسلام برأيه حين رأى غيره أصوب منه، بل انحاز للأصوب ونفذّه، فكان هذا من
أسباب طمأنينة المسلمين تجاه النبي عليه السلام ومخالطته وتقديم النصح والمشورة
له، قال الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ".
غزو أمريكا وضرب برجي التجارة والبنتاجون، بين صوابية الاختيار وخطأ
التوقيت
تعتبر
غزوة الحادي عشر من سبتمبر والتي قام بها تنظيم القاعدة بقيادة الشيخ أسامة بن
لادن رحمه الله لأمريكا وضَرْبِها في قلب أمنها ومأمنها خطوة صحيحة ومهمة أدت
لاستنزافها تدريجيًا وكشفت عن وجهها الحقيقي للمغفلين الذين خدعتهم شعاراتها
ومناداتها بحقوق الإنسان والسلم الدولي، إلا أن هذه الغزوات لم تكن موفقة في
توقيتها حيث كان الواجب تأجيلها لما بعد غزو أمريكا لأفغانستان والذي كان يتوقعه
معظم المتابعين، لأنه في هذه الحالة سيكون المجاهدون قد حققوا هدفين كبيرين لصالح
الإسلام وأهله بضربة واحدة:
الهدف
الأول: الظهور بمظهر المدافع القوي القادر على ضرب أمريكا في عقر دارها ومركز
قوتها العسكرية والاقتصادية وهذا أصوب من أن يظهر المجاهدون بمظهر المُهاجِم الذي
يستحق الملاحقة والتدمير، لأنه كان سيجلب دعم وتأييد المسلمين والمظلومين والأحرار
للمجاهدين بشكل أكبر من الذي رأيناه.
والهدف
الثاني: قطع الطريق على أمريكا والتي كان من الراجح أنها ستستغل هذه الهجمات
لصالحها وتجعلها مبررًا لمهاجمة أفغانستان وتدميرها واحتلالها، خصوصًا أن أمريكا
كانت قد عزمت على اجتياح أفغانستان واحتلالها قبل الغزوات.
كان من الواجب والضروري أن يشاور الشيخ أسامة أميره الملا عمر رحمهما
الله، وأن يُطلعه على آخر المستجدات قبل التنفيذ
خصوصًا
أن أمير إمارة أفغانستان الإسلامية حينها الملا عمر رحمه الله كان قد أكد في اجتماع
له بقندهار مع جميع التنظيمات الإسلامية العاملة في أفغانستان _ من عرب وغير العرب
_ على عدم القيام بأي عملية خارج أفغانستان إلا بعد التشاور مع قيادة الإمارة،
ولكن هذا لم يحدث للأسف لا من القاعدة ولا من غيرها، حتى أن جميع عمليات القاعدة سمع
بها الملا عمر من الإعلام، خاصة أن القاعدة لم تتبن أيًا منها في وقت حدوثها حتى غزوات
الحادي عشر من سبتمبر. أي أن الإمارة كانت تتحمل التبعات بدون أن تُستشار أو تشارك
في القرار.
وعلى
كل حال فإن ما علمته من مقربين من الشيخ أسامة والملا عمر رحمهما الله، أنه لو تمت
المشاورة بالشكل المطلوب لتم تأجيل التنفيذ لما بعد الهجوم الأمريكي، ولكن قدّر
الله وما شاء فعل، وبإذن الله يستفيد المجاهدون من تلك الأحداث ومجرياتها، وأن يهتموا
أكثر بالمشورة واستشارة أهل الدراية والخبرة، لكي يرتقوا بالجهاد بشكل أفضل و
يحققوا أكبر النتائج وأحسنها بأقل التضحيات والخسائر. والله الموفق وهو حسبنا ونعم
الوكيل.
مِن الأسباب الأساسية للغزو الأمريكي لأفغانستان هي
1-
السيطرة على الثروة الطائلة من المعادن وغيرها
الموجودة بباطن الأراضي الأفغانية.
2-
محاربة طالبان
للأفيون وزراعته والذي يدر على أمريكا الأرباح الطائلة
3-
مركزية
أفغانستان وجغرافيتها حيث أن تطل على كثير من البلدان وتتمتع بمرتفعات تجعلها
مركزًا مهمًا وقويًا لمتابعة ومراقبة دول الجوار بأقل الإمكانات والتكاليف.
4-
حتى لا تكون أفغانستان
محطة ومقرًا آمنًا للمجاهدين يتجمعون فيه للتدريب والتنسيق والانطلاق لضرب رؤوس
الحرب الصهيوصليبية في العالم.
5-
للسيطرة على خطوط
النفط و الغاز التي تمر بأفغانستان، والتي رفضت طالبان الخضوع لأمريكا وتسليمها
نصيب الأسد منها، فطالبان كانت تريد الاستفادة منها-الخطوط- لإصلاح البلاد والقيام
على أحوال العباد من خلال عوائدها وأرباحها.
تقدير موقف
قلتُ
سابقًا ولازلت أقول: أنه كان الأصوب هو تأجيل الغزوة لما بعد الاجتياح الأمريكي
لأفغانستان خصوصًا في ظل هذا الزمان و الذي أصبح فيه المجاهد غريبًا ومهاجَمًا
إعلاميًا بل وميدانيًا في كثير من الأحيان حتى ممن يُصَلُّون صلاتنا ويستقبلون
قبلتنا، فإن قطع الطريق على المغرضين والمفسدين والمثبطين أمر مهم، وكذلك فإن تدعيم
رأي المجاهدين بالحجج والبراهين ضرورة ملحة يجب العمل بها طالما أنهم قادرون على
ذلك، وهذا بحسب استطاعتهم وقدرتهم فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
والله
من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
كتبه الباحث في الشؤون الشرعية
والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
24/12/2017م
إرسال تعليق