الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
حرب
المدن تعريفها ولوازمها
توطئة:
حرب المدن هي
مرحلة قتالية مهمة وخطيرة تمر بها الجيوش النظامية و شبه النظامية أثناء اقتحامها
للمدن أو دفاعها عنها، ولقد طالت تلك الحروب جل مدن العالم على تفاوت في عدد
المرات وضراوتها وطول مدتها، وهنا تكمن خطورتها وضرورة الاستعداد لها، هجومًا أو
دفاعًا.
أهمية
حرب المدن ووجوب الإعداد لها
تعتبر حرب
المدن ركن أساسي في الحروب العسكرية وهي من أعقدها وأخطرها، سواء في الهجوم أو
الدفاع، لأن القتال يبدأ بالقرب من المدينة ثم تدريجيًا يتغلغل فيها، حتى تصبح
المواجهة تنتقل من شارع إلى شارع ومن بناية إلى بناية، ويبدأ الموت يصاحب
المقاتلين في كل خطوة، فالأماكن مرصودة والقناصة متمركزون والشوارع والبنايات كثيرًا ما تكون مليئة
بالألغام والعبوات والمفخخات، لذا يحتاج المقاتل هنا للانتباه الجيد والحذر الشديد
ويحتاج لخفة الحركة وسرعة التنقل واللياقة البدنية العالية مع الجهوزية للرماية في
أي حال و وضعيّة، وكذلك من ضروريات حرب المدن، التنقل الحذر والمنضبط للمجموعات بأعلى درجات الانضباط أثناء تنقلاتها مع ضرورة التنسيق الداخلي الدقيق والمتواصل
لحماية بعضها بعضًا، ولكي لا تصطدم ببعضها عن طريق الخطأ، وكل ما سبق يحتاج
للإعداد والاستعداد المبكر والمتواصل، وهذا ما أمرنا به ديننا، فعَنْ أَبِي
عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ"، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ
الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ". وفي حديث آخر قال صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: "مَنْ علِمَ الرَّميَ ثمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا
أَوْ قَدْ عَصَى" . ومعلوم أنه لا
يمكن استطاعة الرمي إلا بعد الإعداد
والتدريب بل والاتقان أيضًا. إذن فالإعداد واجب والمحافظة على الإعداد واجبة كذلك.
فكما أن
الإعداد واجب شرعي و ضروري لكل مسلم، فإنه
لا يصح إهمال أيٍّ من لوازمه المقدور عليها، وإن من أهم لوازمه بالنسبة للمسلمين،
هو الإيمان بالله والإخلاص له والتوكل عليه، مع توفير كل المقدور عليه ماديًا من
عدة وعتاد، وهذا يشمل القيام بالاستطلاعات الدقيقة والدراسات التفصيلية المتأنية، والاهتمام بالعلوم الأمنية والتجهيزات العسكرية
ولوازمها والعلوم الالكترونية وغيرها وأماكن التمركز والانطلاق والتخزين ..إلخ،
ولكي يتم وينجح كل ما سبق على أحسن وجه، فإنه يحتاج للصبر والتأني على قدر الحاجة
لهما، وهذا ما قاله أمير المؤمنين المُلْهَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الحرب
لا يُصلِحها إِلا الرجل المكيث؛ الذي يعرف الفرصة والكف". المكيث؛ الرزين
المتأني.
ماهية
حرب المدن ودوافعها:
حرب المدن هي
عملية القتال التي تدور في المدن من أجل تطهير كامل المدينة أو قسم منها بهدف
التحرير أو الاحتلال، ومن
المحتمل أن تشارك في ذلك كافة القدرات البشرية والعلوم التكنلوجية و الأسلحة
النارية، كما أن القتال في المدن مهمة بالغة التعقيد بالنسبة للمقاتلين، حيث
تتخللها مشكلات معقدة كتأمين القيادة والمراقبة والتنقل في الأزقة والبنايات حيث رصاص
القناصة و الرصاص العشوائي والعبوات والقذائف...إلخ، كما تفرض على المقاتلين أعلى
درجات الجهوزية والشجاعة، كما تتطلب قدراً كبيراً من حسن المبادرة من جانب المقاتل
الفرد أو المجموع.
وكذلك فإن وصول ومواجهة الخصوم لبعضهم البعض
واشتباكهم عن قرب داخل المدينة في شوارعها ومبانيها يزيدها تعقيدًا وشراسة، وهنا
تحدث الملاحم بكل معاني الكلمة، فكما أنه يجب على القوات المهاجِمة أن تواصل
اجتياحها وتمددها داخل المدينة للسيطرة عليها ، فكذلك وبنفس الوتيرة وأكثر يجب على
القوات المدافعة أن تدافع عن المدينة وتحميها من المعتدين الغزاة، ودوافع ذلك أهمية المدينة بالنسبة للطرفين.
تكمن قيمة
وأهمية المدينة بالنسبة للمُستَهدف بحسب ما فيها من مراكز مهمة ، كالدينية والثقافة
والجغرافية والاقتصادية والأمنية والعسكرية ..إلخ، ولنفس الأسباب تكمن أهمية
المدينة عند المُهاجِم والذي يريد التمركز فيها والانطلاق منها لقطع الطرق على
المُستهدَف والسيطرة على مراكز قوته تدريجيًا، وحول هذا تختلف الأولويات والخطط.
وعلى قدر أهمية
المدينة بالنسبة للمُستهدِف والمُستهدَف تكون شراسة المعارك، فالمُستهدِف يريد
السيطرة عليها، والمستهدَف لا يريد فقدانها.
ميزات
القتال في المدينة والمبادئ الرئيسية لاقتحامها:
لأسباب كثيرة
يُعتبر اقتحام المدن والسيطرة عليها من أعقد المهمات على الجيوش، وذلك لكثرة
المتغيرات فيها، ففي المدينة توجد المباني
المنظمة تنظيمًا واحدًا من ناحية الشوارع وسعتها وفيها المباني الشعبية والتي
تختلف شوارعها المتعرجة والأزقة ذات البناء المعقد والمتداخل، وفيها ما يجمع بين
الصِّفَتين، كما تختلف المدن في تضاريسها ومواصفاتها، فمنها ما تمتاز بالغابات أو
بالوديان أو بالأنهار أو بالسهول أو بالهضاب و الجبال.. إلخ، ومنها ما تمتاز
بأكثر من مميزّة مما سبق، ولذا يحتاج اجتياحها أو الدفاع عنها إلى تنوع المهارات
القتالية والتسليح.
وجدير بالذكر
هنا أن الأهالي هم العنصر الأهم والأخطر لأن قناعاتهم وميولاتهم تؤثر تأثيرًا
مباشرًا - سلبًا أو ايجابًا- في المعارك .
كل ما سبق يؤثر
في محدودية الرؤيا والرصد والتتبع وصعوبة الرماية والتنقلات والمناورات والتي
غالبًا تنحصر في المباني والشوارع والأزقة خصوصًا إن طالت المعارك.
تفرض حروب
المدن على المقاتلين أن يُقسِّموا أنفسهم إلى مجموعات صغيرة وهذا يُحوِّل المعركة
الأساسية في المدينة إلى معارك صغيرة متفرقة في أرجائها، كما أن حروب المدن تعتمد
في حسمها النهائي على الأسلحة سهلة التنقل، كالآليات الخفيفة والمضادات للدروع
والقنابل اليدوية والعبوات المحمولة والرشاشات الثقيلة والخفيفة.. إلخ، كما أنها
تستهلك الكثير من الذخيرة بسبب الحاجة للتغطية النارية أثناء الرصد والمتابعة
والتنقل، كما تُسبب كثرة المباني في المدينة واكتظاظها إلى صعوبة الاتصالات -خصوصا
اللاسلكية- ومحدودية الرؤيا والتنسيق، ولذا فإن السيطرة على الأماكن المرتفعة من مباني وتلال تقلص تلك الصعوبات وتُسهِّل
الحركة في الشوارع والأماكن التي تحت
الرؤية والرماية المباشرة.
ويستحسن تسليح
المقاتلين بالسلاح الطويل - كالكلاشن كوف
المعتاد - على حدود المدينة والأماكن المفتوحة لأن مداه الناري بعيد،
واستخدام السلاح القصير- كالكلاشن القصير- في الأزقة والمباني و نحوها لسهولة
الحركة فيه ولتقليل مخاطر ارتداد الرصاص بعد اصطدامه في الجدران.
تنبيه: القتل
الذي يطول المدنيين والأضرار التي تلحق بممتلكاتهم تجعلهم ينقمون على الجيش
المهاجم للمدينة، وهذا يجعل احتمالية الحسم النهائي للمعركة لصالح الجيش المدافع
أرجح من المهاجِم، خصوصًا إذا كان الجيش المدافع عن المدينة قد أحسن التصرف مع
الأهالي واستمالتهم قبل اضطراب الأمور ونشوب المعارك، وأفضل طريقة لكسب الأهالي هي
العدل بينهم وعدم ظلمهم أوالتعدي على حقوقهم، فالعدل جيش لا يُهزّم، والظلم ظلمات
على أصحابه في الدنيا والآخرة. والله الموفق
صفات
يجب أن يتحلى بها المجاهد، ولوازم يجب أن يعرفها ويجيدها:
1-الإيمان
بالله والتوكل عليه والاستعانة به.
2-الخلق الحسن
والرفق واللين في التعامل مع الأهالي.
3-الإعداد
البدني والعسكري والجهوزية التامة.
4-السمع
والطاعة للقيادة.
5-القدرة على
تقدير الموقف.
6-الشجاعة مع
عدم التهور المهلك.
7-الثقة
العالية بالنفس.
8-النباهة
وسرعة الملاحظة.
9-الهدوء وعدم
الارتباك حال التعرض لهجوم مباغت مع الرد السريع المحكم.
10-المداومة
على التدريب العسكري والرماية مع الحفاظ على مستوى اللياقة اللازم.
11-المعرفة
بمداخل ومخارج المدينة وأقل ذلك معرفة مداخل ومخارج الجزء المقصود.
كتبه: الباحث
في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد
تربان
فلسطين . غزة
12-11-2017
إرسال تعليق