دروس وعبر مستفادة من فعاليات حماس في ذكرى انطلاقتها، قبل
المشاركة في الحكم وبعده
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد
توطئة
لاشك أن الثورة الفلسطينية بحاجة لحراك ثوري قوي ومتواصل لاستنزاف
الاحتلال وكسب النقاط عليه، وهذا يستدعي منا الاعتماد على الله ورص الصفوف
والتضحية والفداء والصبر على ذلك، وكذلك يستدعي منا الانتباه لمكر الاحتلال
وأعوانه الذين يتحركون علنًا أو في جنح الظلام وخلف الستار.
الغالب على فعاليات الانطلاقة قبل المشاركة في الحكم
مع انطلاق الانتفاضة عام 1987م انطلقت حركة حماس ثم وبُعيد ذلك بقليل
انطلق جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام والذي وجّه للاحتلال الصهيوني
ضربات زعزعت أمنه وأمانه وبات هو الأخطر على الاحتلال على الإطلاق.
في هذه الأثناء كان يمثّل موعد الانطلاقة كابوسًا على الاحتلال
الصهيوني، حيث كانت تتصاعد المسيرات الغاضبة والمواجهات الشعبية بالحجارة
والمولوتوف في ربوع فلسطين المحتلة مع النجاح بتنفيذ العمليات العسكرية المتفرقة،
وهذا كان يدفع الاحتلال إلى الاستنفار العام وأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وضرب
الطوق الأمني على قطاع غزة من جهة والضفة الغربية من جهة أخرى، حتى أصبح استنفار
الاحتلال يسبق موعد الانطلاقة بأسبوع أو أكثر، وهذا أشهر من أن نُدلل عليه ونذكر
بعض توثيقاته.
في ذاك الحين كانت جل طاقات أبناء حماس تُوجه للتصعيد ضد الاحتلال، وكان
هذا يؤكد له أن ذكرى الانطلاقة هو دعوة لتطوير المقاومة وتصاعدها وضرب الاحتلال في
كل ربوع الوطن وبكل السبل.
الغالب على فعاليات الانطلاقة بعد المشاركة في الحكم
إلّا أن هذا النشاط الثوري لم يستمر على حاله و بات الجميع يلاحظ
تراجع ذلك، ولم تعد ذكرى الانطلاقة تُرعب الاحتلال الصهيوني كما كانت ولم تعد
تُشعل الأرض نارًا تحت أقدام الاحتلال ولم نعد نرى الاحتلال يعلن الاستنفار العام كما
كان يفعل سابقًا، وذلك بسبب تراجع قوة حماس الرادعة وتراجع نشاطها الثوري المعتاد
في ذكرى كل انطلاقة، ولم نعد نسمع بتلك العمليات التي تزلزل الاحتلال، بل أصبحت ذكرى
الانطلاقة تكاد تكون مجرد احتفالات هنا وهناك يختتمها مهرجان كبير يجتمع فيه أبناء
الحركة ليستمعوا لبعض الخطب النارية والأناشيد الحماسية والتي بتنا لم نرَ لها أي
ترجمة عملية ميدانية تُذكر ضد الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1948م أو القدس
والضفة العربية.
بعض أسباب ذلك
لم يكن هذا التراجع الثوري ليحصل لولا أن حماس أقحمت نفسها في سلطة
أوسلو وأصبحت جزءًا منها، ما جعلها مضطرة للدخول تحت مظلة اتفاقياتها والتي أدت
لتقييدها ثوريًا، كما أن دخولها سلطة أوسلو جعلها محملة بأعباء تفاصيل حياة الشعب الفلسطيني
عمومًا و أهالي قطاع غزة خصوصًا وذلك بعد أن سيطرت حماس عليه بشكل كامل، فلقد باتت
مُلزَمة بتوفير حاجيات الناس واحتياجاتهم اليومية، وازداد ذلك بعد الحصار الظالم
الذي فرضه الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية والحكومة المصرية لخنق حماس
واستنزافها والذي أدى لتراجع قوة حماس العسكرية والسياسية والنفوذية إلا في غزة،
كما أن شعبيتها بدأت تتراجع بسبب فرضها للضرائب الباهضة على المواطنين وملاحقتهم
اقتصاديًا وماديًا لأجل توفير الرواتب لموظفيها ولوازمهم ولتوفير بعض المساعدات
لناشطيها وأنصارها، وهكذا بدأت أولويات حماس تتغير اضطراريًا من مقاومة الاحتلال
وضربه إلى الانشغال بتسيير أمور قطاع غزة عمومًا وأمورها خصوصًا.
خطأ اختيار حماس
وما سبق يؤكد ما قلناه سابقًا وقبل مشاركة حماس في الانتخابات ودخولها
في سلطة أوسلو، وهو أن الجمع بين مقاومة الاحتلال والحكم وإدارة أمور الناس وتوفير
لوازم الحياة لهم في ظل وجود الاحتلال والذي يسيطر على كل المفاصل الجغرافية
والاقتصادية أمر مستحيل جدًا.
بغض النظر عن دوافع حماس للمشاركة في سلطة أوسلو فإن السياسة بالنتائج
لا بالنوايا، و النتيجة هنا كانت سلبية وأدت لاستنزاف حماس وإضعافها سياسيًا
وعسكريًا على مستوى فلسطين وإن كانت قد قويت عسكريًا في قطاع غزة بعض الشيء، إلا
أن قوتها لم تخدم سياستها بشكل عام ولم تسعفها للخروج من الضائقة الخانقة التي تمر
بها ولا الافلات من الحصار الذي يخنقها في غزة.
هل تستطيع حماس التخلص والتحرر من تبعات الحكم ؟
لا توجد بوادر أو معطيات تفيد بأن حماس قادرة على التفلت من لوازم
وتبعات مشاركتها في سلطة أوسلو، وإن كان هناك نوايا وأطروحات بأن تترك حكم غزة
وتسلّمه للسلطة الفلسطينية، إلّا أن السلطة لازالت تصرّ على استلام قطاع غزة
استلامًا كاملًا وفي حال استلمته كما تريد فستصبح حركة حماس كالأيتام على موائد
اللئام، وهذا سيزيد في أزماتها وتعقيدات الأمور في وجهها، وهذا سيؤدي لضعفها
عسكريًا حتى في قطاع غزة موطن قوتها وسيطرتها، خصوصًا أن السلطة تعمل بالتنسيق
الأمني الكامل مع الاحتلال الصهيوني والذي يسعى ليل نهار لإضعاف حماس وتحجيمها بل
وإنهاء قوتها تمامًا إن استطاع إلى ذلك سبيلًا.
نصيحة لابد منها
وعلى ما سبق من تجربة مريرة أؤكد على ضرورة ابتعاد أي حركة ثورية عن
الحكم والسيطرة المنقوصة و التي هي تحت حكم الاحتلال وسيطرته ونفوذه. والصواب هو مواصلة
مقاومة الاحتلال مع تحميله تبعات احتلاله وذلك بعدم إدارة أمور الشعب من خلال
تشكيل إدارات مدنية أو سلطات محلية مع مراعاة أن هذا لا يتغير بالأسماء أو
المصطلحات لأن العبرة بالمضامين لا بالعناوين، فسواء قلنا إدارة مدنية أو سلطة
محلية أو حكومة فلسطينية فكل هذا يؤدي لنفس النتيجة، وهي إدارة شؤون البلاد تحت
أعين الاحتلال وسيطرته و ضمن نفوذه.
الخاتمة
وأخيرًا، أؤكد على أن تحرير فلسطين لن يكون إلا بالاعتماد على الله
وبالمقاومة والصبر على تبعاتها، وأن كل ما يقدمه النظام الدولي من حلول سياسية
إنما هو خِدَع ومراوغات لكسب الوقت لصالح الاحتلال الصهيوني مهما غلّفها بأسماء
منمقة ثوريًا أو تحرريًا. والله ولي التوفيق
كتبه الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين – غزة
13/12/2017م
إرسال تعليق