الحمد لله القائل: "قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، والصلاة والسلام على معلمنا الأمين القائل: ".. فَوَ
اللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ
حُمْرُ النَّعَمِ".
وبعد
لماذا لازالت حماس تمنعني من إلقاء الدروس
في المساجد ؟
بالرغم من بُعْدِ المدة الزمنية إلّا أنه لازال بعض
الأفاضل يسألونني عن سبب عدم إلقائي الدروس في المساجد، ولذا قررتُ أن أكتب حول
هذا الموضوع ولكن باختصار جدًا.
منذ أكثر من عشرة أعوام وحماس تمنعني من إلقاء الدروس
في المساجد أو حتى في بيتي مستعينة على ذلك بقوة السلاح التي تحكم بها غزة،
متجاهلة قول الله تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ
أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ
أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
المؤسف أن تعدي الإخوة في حماس على حدود الله في
هذا الأمر هو تجاوز خطير جدًا لأنه يحارب ذكر الله وتعليم دينه في بيته.. وهذا من
أعظم تجاوزات حدود الله و أخطرها.
وللاختصار الذي لا يخل بشرح الصورة وتوضيحها؛ أذكر
هذا الحوار وهو آخر ما حصل في هذا الموضوع وهو بيني وبين أحد قيادات حركة حماس:
ففي يوم جلس معي هذا الأخ وقال لي أنت صاحب علم غزير
وتقرأ كثيرًا ولابد أن ينتفع الناس من علمك.
فقلت له: حسنًا. افتحوا المساجد أمامي لأتنقل فيها
وأعلِّم الناس.
فقال: لكن لابد قبل ذلك من أن تعود إلى صفوف الحركة-أي
حماس- وأنا أعدك إن عدت أن ندعمك جماهيريًا ونفتح لك كل المساجد.
فقلت له: وما دخل موضوع العودة إلى الحركة بإلقاء
الدروس في المساجد وما هو محور التلازم بينهما ؟
فقال: لأننا نريد أن نفتح لك المجال على أوسع نطاق،
وهذا يستدعي أن تكون ضمن الحركة.
فقلت له: ولكن هذا لا يصح. فكثير من الإخوة يلقون الدروس
ويتنقلون بين المساجد وهم ليسوا من الحركة.
فقال: صحيح. ولكنهم ليس مثلك.
فقلت له: باستغراب واستعجاب لماذا ؟
فقال: أنت لك تأثير مباشر على الشباب ولو فتحنا لك
المساجد فستستقطب كثيرًا منهم ثم تبدأ بجمعهم حولك، ثم تبدأ بالقيام بحركات
احتجاجية أو ما شابه من حين لآخر.
فقلت له: أنتم لا تثقون بقناعات وأفكار وثبات شبابكم
؟
فقال: بلى نثق بهم كثيرًا
فقلت له: ولكن كلامك يدل على غير هذا.
فقال: هذا ما عندي وأنت الآن مخير بين العودة لحماس
والانطلاق في كل المساجد لإلقاء الدروس أو البقاء على ما أنت عليه.
فقلت له: أمر الرجوع للحركة انتهى ولن أعود
وبالنسبة لمنعكم لي من الدروس فأنتم بهذا تحاربون الله في المساجد وسيعاقبكم الله
على هذا والأيام ستثبت لكم ذلك.
فقال: لو أنك تتعهد بالالتزام في دروسك بالحديث حول
الجنة والنار وفضائل الذكر.. إلخ.
فقلت له: دروسي أنا حر في اختياري لعناوينها .
والدروس التي لا تتطرق لأمور الأمة وأحوالها بشكل عام، والاحتلال وجرائمه وطرح طرق
جديدة لمواجهته، و التي لا تتطرق للحديث عن الظلم الواقع على المسلمين بما فيهم
الأهالي في غزة فهي دروس خارج دائرة ما يرضي الله حقًا، بل هي دروس تلبيس وتدليس
وخداع للناس . نعم لابد أن تكون الدروس عن الجنة والنار وفضائل الذكر، وكذلك يجب
أن تكون عن تطورات الأحداث ومجرياتها، وعن الغزو الفكري والعسكري لبلاد المسلمين
وعلى رأسها فلسطين المحتلة، و عن الحديث عن الظلم الذي يتعرض له المسلمين في كل
مكان، وكذلك لابد من الحديث حول الظلم الذي يتعرض له الأهالي في غزة على يد حماس، والضفة على يد فتح.
فقال لي: إذن ستبقى ممنوعًا من الدروس.
فقلت له: المهم أن الله يعلم أنني بذلت جهدي لتبليغ ما أقدر تبليغه من دينه وأنتم
في حماس من حارب ذلك ومنعه، ولذا فإن لي أجر النية والمحاولة وعليكم وزر وجرم
المنع والتصدي لدين الله في بيته بحجج واهية و تأويلات فاسدة، منطلقها مصلحة
حركتكم وليس دين الله. والله الموعد.
فقال: قل ما شئت المهم أنك ممنوع وستبقى كذلك.
فقلت له: عند الله نلتقي وحين يسألكم عن تعديكم على
حقوقه في بيته أجيبوا عليه بهذه الإجابات والتي لن تنفعكم بل ستكون ويلًا وثبورًا
عليكم.
انتهى
وفي يوم عممت على كثير من الشباب في المسجد وأشعرت
بعض الأصدقاء من مناطق ثانية أنني سأقوم بدرس أقرأ فيه من كتاب زاد المعاد في هدي
خير العباد لابن قيم الجوزية رحمه الله، وسأقوم بالتعليق حسب دواعي الموضوع
ولوازمه.
وبالفعل جاء الموعد وحضر ما يقارب العشرين أخ في
الجلسة الأولى والتي كانت عبارة عن جلسة تحضيرية وتوضيحية عن الدرس والمواعيد.
واتفقنا فيها على موعد الدرس ووقته حيث أنه كان من المقرر أن يكون درسًا دوريًا.
ولكنني
تفاجأت بعد يومين ببلاغ من الأمن الداخلي التابع لحكومة حماس يُطلَب فيه أن أحضر
إلى مركزهم، وبالفعل توجهت في اليوم المحدد.
وأثناء
حديثي مع المحقق والذي كان يبدو عليه علامات الارتباك وعدم المقدرة على الحديث
والدخول في التفاصيل، قال لي: أنت تريد أن تقوم بالسيطرة على المساجد.
فضحكت وقلت له كيف ذلك!!؟ هذا أمر كبير ويحتاج لجهد
وتمويل ضخم، كما أنه يحتاج لتجنيد الكثير الكثير من الشباب.. إلخ.
فقال: أنت
تنوي أن تحشد الشباب وتدريجيًا تقوم بتدريبهم وتسليحهم ومن ثم الانقضاض على
المساجد والسيطرة عليها!!!
فقلت له: كيف ذلك؟ هذا الأمر يحتاج لعشرات الآلاف
من الشباب. فهل تتوقع أنني أستطيع حشد هذا العدد دون أن تشعروا به، هذا عجيب.
بصراحة أنا أستغرب أنك مقتنع بهذا أو أنك توافق على طرحه على الأقل!
فطأطأ رأسه وقال: هذا ما جاءنا في التقرير.
فقلت له: هل لأنه جاءكم فهو صحيح؟
فقال: لماذا لا تلقي الدرس في المسجد؟
فقلت له: لأنكم تمنعونني من إلقاء الدروس في
المساجد، فقررتُ أن أقوم بها في البيت.
فقال: المهم؛ أريد منك ألّا تلقي الدروس لا في
المسجد ولا في البيت، وأن تلغي هذا الدرس الذي عزمت على القيام به في بيتك. وهذا
هو قرار الحركة وليس قراري شخصيًا.
فقلت له: هذا أمر أستجيب إليه بحكم أنكم تفرضونه
بقوة السلاح وليس قناعة مني، وعند الله سنلتقي. وللعلم فإن كل من واجه الدعوة
الإسلامية وتصدى لها بهذه الطريقة كانت نهايته غير موفقة.. إلخ.
فقال: هذا ما عندي وهذا ما يريده الإخوة.
فقلت له: نعم أنتم في حركة حماس تريدون هذا ولكن الله
لا يريده بل يغضب ممن يريده ويسعى لفرضه بالقوة.
فقال: أنا غير مسؤول عن هذا الأمر لأنني تلقيت
الأمر من قيادتي بأن أجلس معك وننهي هذا الأمر.
فقلت له: بالنسبة لي؛ انتهى الأمر حاليًا. والدنيا
لن تدوم على هذا الحال وسيحدث الله بعد ذلك أمرًا.
قال: من اليوم إلى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون.
المهم أن ينتهي هذا الأمر الآن. فنحن مكلفون بإنهائه بأي طريقة.
فقلت له: اعتبره انتهى.. وانتهت الجلسة.
وعلى ما سبق من حوار وقبله الكثير من الحوارات
والمناكفات أقول:
إن إثم
منعي من الدروس في المساجد وتعليم دين الله لعباده في بيوته جريمة نكراء تتحمل
مسؤوليتها حركة حماس في الدنيا والآخرة. وحسبنا الله ونعم الوكيل
تنويه:
لم أذكر الأسماء هنا لعدم أهمية ذكرها ولأن المقصود بهذا تم، وسأذكرها مع بعض
التفاصيل في حال احتاج الأمر لذلك، مع العلم أن كثيرًا ممن تهمهم هذه الأمور من
القريبين مني يعلمون ذلك وبالتفصيل.
والله من وراء القصد
كتبه: الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
10/2/2018
إرسال تعليق