الحمد لله ثم الحمد ثم الحمد لله, الحمد لله الذي
أنزل الكتاب على رسوله بالبينات الواضحات ليقوم الناس بالقسط، وشرع الجهاد للدفاع
عن دينه وعباده، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، المبعوث رحمة للعالمين،
والهادي إلى الحق المبين
وبعد
لماذا لا يصل إلى ذروة السنام إلّا صحيح الإيمان،
ومَن عجز فليراجع دينه ؟
توطئة
الإسلام دين عزة وكرامة يدعو للمحبة والشهامة ونصرة
المظلوم، يأمر أهله بالتناصح والتناصر ورصِّ الصفوف في وجه الطغاة والمعتدين؛ حتى
لا يكون مسلم مغلوب مقهور، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ".
وجعل الله القيام بواجب النصرة فريضة شرعية على كل
مسلم يأثم تاركها؛ وإثمه يكبر ويصغر بحسب حاجة المسلمين لنصرته ومؤازرته لهم.
وجعل الله نصرة المسلمين من علامات صدق الإيمان
والثبات، وجعل ترك نصرتهم من علامات ضعف الإيمان والنفاق.
لمحة مختصرة عن أحوال الصحابة مع الجهاد
ونصرة المسلمين
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينشغلون بالجهاد كما
ينشغلون بالصلاة والصيام، وكانوا يستقبلون الإسلام بالجهاد كما يستقبلونه بالصلاة،
فهذا أبو هريرة رضي الله عنه لما قدم المدينة مسلمًا، وكان ذلك بعد خروج النبي صلى
الله عليه وسلم إلى غزوة خيبر، وافى-أي التقى- الصحابي الجليل سباع بن عرفطة رضي
الله عنه في صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته أتى سباعًا فزوده –وجهزه للحرب-، حتى قدم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشاركه في الغزو. فكانت أول غزوة له بعد أول
صلاة مباشرة.
( فكيف بمن يصلي منذ أكثر من عام ولم يشارك حتى
اللحظة في القتال ضد الكفار المحارِبين!!؟ رحماك ربي..)
ولقد ثبت في الأخبار الصحيحة التي وصلتنا من ميادين
القتال التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه؛ أن هناك من قاتل واستشهد
قبل أن يركع لله ركعة وأصبح من أهل الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
" أَنْ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ، كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخُذَهُ، فَجَاءَ يَوْمُ أُحُدٍ، فَقَالَ:
أَيْنَ بَنُو عَمِّي؟ قَالُوا بِأُحُدٍ، قَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا بِأُحُدٍ،
قَالَ: فَأَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَرَكِبَ
فَرَسَهُ، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا:
إِلَيْكَ عَنَّا يَا عَمْرُو، قَالَ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ، فَقَاتَلَ حَتَّى
جُرِحَ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ جَرِيحًا، فَجَاءَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ،
فَقَالَ لِأُخْتِهِ: سَلِيهِ حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ، أَوْ غَضَبًا لَهُمْ أَمْ
غَضَبًا لِلَّهِ؟ فَقَالَ: بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَمَاتَ فَدَخَلَ
الْجَنَّةَ، وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاةً".
وعَنْ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: "أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ
قَاتِلْ»، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا".
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتعاملون مع الجهاد
كواجب تمامًا كما يتعاملون مع واجب الصلاة والصيام، فكان الجهاد عندهم واجب لا
يمكن تركه أو التساهل فيه أبدًا.
أحوال المسلمين اليوم مع الجهاد ونصرة
المستضعفين
ومن المؤسف أننا نرى المسلم اليوم وقد مضى على
إسلامه عام أو أكثر ولم يخض قتالًا ضد أعداء الأمة ودينها.
حيث يقول المرجفون: هناك أخطاء عند المجاهدين ولذلك
نحن لا نشاركهم في القتال!!
أقول: هذا عذر كاذب للتهرب من واجب الجهاد فقط. فهل
هناك قتال ومعارك بدون أخطاء!؟ وهل هناك من هو معصوم!؟ نعم هناك أخطاء. فهذه طبيعة
أي حراك كبير وسريع وعنيف، وستظل تحدث الأخطاء كما حدث على مدار التاريخ مع الحراك
الإسلامي المسلح -و غير الإسلامي حتى-، مع الإقرار بأن الأخطاء تحدث بنسب متفاوتة
بحسب حكمة القيادة ووعي الجند، فالأصل في هذه الحالة و الواجب هو العمل على
الإصلاح مع مواصلة القتال، لا ترك الأمر والتهرب منه، حتى نتمكن من تقليل نسبة
الأخطاء لأدنى مستوى ممكن . والله الموفق .
فترك القتال وخوض المعارك بحجة أن هناك
أخطاء تحدث في ساحات الجهاد، أو أنه لا فائدة من المعارك والقتال في وقتنا
الحالي.. إلخ، هذا من صفات المنافقين والمرجفين وضعيفي الإيمان والمثبطين.
هذه الآيات تواسي المجاهدين وتؤانسهم وتقيم
الحجة على القاعدين من المنافقين والمرجفين والمثبطين وضعيفي الإيمان وتشرح الوضع
وتُبيِّن الحال بكل بساطة ووضوح؛ قال الله تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ *
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ
بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
* الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا
قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ
اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
فترك أوامر الرحمن و وعوداته والتمسُّك بأوامر
الشيطان و وعوداته، مدعاة للحزن والأسف لأن هذا جعل جل المسلمين يترك بعضهم نصرة
بعض ويخذل بعضهم بعضًا ولا يقومون بواجب الجهاد في سبيل الله، وكأن الجهاد اليوم سنة
أو مجرد فضيلة!!! وهذا جلب عقاب الله على الأمة وأدخلها مرحلة الاستبدال الرباني.
وكذلك فإن عذاب الله سيطول كل تارك للجهاد المتعيِّن على الأمة كلها حاليًا كما
ثبت في القرآن والسنة، ولن ينجو من ذلك إلّا من كان معذورًا بعذر شرعي معتبر، فكما
أن الله توعَّد تارك الصلاة أو الصيام أو الزكاة كذلك توعَّد تارك الجهاد، قال
الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ
انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي
الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، والنفير للجهاد والقيام بواجبه يكون بحسب قدرة المسلم
وطاقته؛ فإن الله لا يكلف نفسًا إلّا وسعها وقدرتها، قال الله تعالى: «لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ».
حال المؤمن الحق مع الجهاد ونصرة المسلمين
المؤمن الحق هو الذي يستجيب لأوامر الله تعالى و
ينفر لمناصرة إخوانه المسلمين.
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولقد
سار على دربهم ثلة من الذين جاءوا من بعدهم ممن باعوا أنفسهم رخيصة لله تعالى، فعَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ
النَّاسِ» وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ
قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي
طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ
تُرَاعُوا» قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ» قَالَ: «وَكَانَ
فَرَسًا يُبَطَّأُ »، فهذا هو قائدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه شجاعته
وإقدامه، وهذا حاله حين يحتاج المسلمون للمؤازرة والمناصرة. فهذا هديه لمن أراد أن يقتدي به.
وللقرطبي رحمه الله كلام قوي دقيق ومفصَّل
في هذا الموضوع، كما أنه ذكر بعض القصص لصحابة كرام معذورين في قعودهم عن القتال
ولكنهم أصرُّوا على المشاركة فيه، وهذا دليل صدق قلوبهم وإخلاص نفوسهم وقوّة
إيمانهم، فلقد أتعبوا من بَعدهم و زادوا تأكيدًا في قيام الحجة على الأصحاء الذين
ليس لهم عذر شرعي في القعود عن قتال المحتلين المحارِبين للمسلمين الذين غزو ديار
المسلمين وأفسدوا دينهم وأكثروا فيهم القتل والتعذيب ونهبوا ثرواتهم.. إلخ.
حيث يقول رحمه الله تعالى: واختلف في
هذه الآية ، فقيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى
الْمَرْضَى} [التوبة : 91]. وقيل: الناسخ لها قوله : {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة : 122]. والصحيح أنها ليست بمنسوخة. روى ابن
عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى : {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قال شبانًا
وكهولًا، ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه. وروى
حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة [براءة] فأتى على هذه الآية
{انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} فقال : أي بني جهزوني جهزوني فقال بنوه : يرحمك
الله لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر
حتى مات فنحن نغزو عنك. قال. لا ، جهزوني. فغزا في البحر فمات في البحر ، فلم
يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ، ولم يتغير رضي الله
عنه. وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص على تابوت صراف، وقد فضل على
التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو. فقيل له: لقد عذرك الله. فقال: أتت علينا سورة
البعوث {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} .وقال الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى
الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه. فقيل له: إنك عليل. فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل،
فإن لم يمكنني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع. وروي أن بعض الناس رأى في غزوات
الشأم رجلًا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عم إن الله قد عذرك
فقال: يا ابن أخي، قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا. ولقد قال ابن أم مكتوم رضي الله
عنه - واسمه عمرو - يوم أحد: أنا رجل أعمى ، فسلموا لي اللواء ، فإنه إذا انهزم
حامل اللواء انهزم الجيش ، وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما أبرح فأخذ اللواء
يومئذ مصعب بن عمير على ما تقدم في "آل عمران" بيانه. فلهذا وما كان
مثله مما روي عن الصحابة والتابعين ، قلنا : إن النسخ لا يصح. وقد تكون حالة يجب
فيها نفير الكل
الرابعة : وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة
العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك
الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته، من
كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مقاتل أو
مكثر. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن
يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم
ومدافعتهم. وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه
أيضا الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل
الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدو دار
الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة
وتحفظ الحوزة ويخزى العدو. ولا خلاف في هذا. انتهى
الخاتمة
جعل الله المسلمين جسمًا واحدًا يقوّي
بعضه بعضًا وينصر بعضه بعضًا.
ومِن فضله وكرمه أنه يحب المسلم الذي
ينصر أخاه المسلم وقد وَعَدَهُ بالرضوان والجنان.
كما أنه من عدله تبارك وتعالى توعَّد من
يخذل أخاه المسلم بالعقوبة والخذلان.
ولذا يجب على المسلم الذي يرجو رضوان
الله ومغفرته وجنانه أن يطيع أوامره ويسير على هدي رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ القائل: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ،
اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ»، والقائل: «الْمُسْلِمُونَ
تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ
أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.. »، فالأصل في علاقة التناصر بين
المسلمين أن تكون مبنيّة على أصل الجسد الواحد، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ،
وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ
تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، ولذا فإن الشعور بآلام
المسلمين ومعاناتهم والعمل على معاونتهم ومناصرتهم من علامات صدق الإيمان، كما أن
عدم الشعور بآلام المسلمين ومعاناتهم و عدم العمل على مساعدتهم ومناصرتهم من
علامات ضعف الإيمان والنفاق. وكذلك مَن يقول: أنا أشعر بآلام المسلمين ومعاناتهم ولكنه
لا يقوم بمعاونتهم ومناصرتهم و يُبَرِّر ذلك بأن الوقت ليس وقت قتال وعلى من وقعت
عليه المصائب والمحن أن يصبر ويحتسب أجره عند الله، أو يُبَرِّر ذلك بأن المسلمين
ضعفاء جدًا والكافرين أقوياء جدًا أو بأن المسلمين مشتتين والكافرين موحَّدين..
إلخ، ولذا فإن الوقت ليس وقت قتال حسب زعمه، فهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: «وَمَا
أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ
الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا
قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا
لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ
يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا
قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».
اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا، وارزقنا
الهدى والتقى والعفاف والغنى، ووفقنا للقيام بكل واجب أوجبته علينا، واجعلنا من
المناصرين للأمة لا المخذلين لها، واقبلنا وتقبل منا، فأنت حسبنا ونعم الوكيل ولا
حول ولا قوة إلّا بك يا أرحم الراحمين.
والله من وراء القصد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه/ الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
6-2-2018م
إرسال تعليق