الحمد لله القائل: " طه * مَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى" والقائل: " فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا" والصلاة والسلام على المعلم
الأكبر القائل:" إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا
الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ " والقائل :" اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ
مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ، حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ
الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ ".
وبعد
لتعليم الأبناء لابد من
الترويح عنهم
جَبَلَ الله تعالى الآباء على حب
الأبناء حباً يجري في القلوب كما يجري الدم في العروق، ولكن بعض الآباء وبحسن نية
يذهب بهم هذا الحب إلى إرهاق الابن بما لا يطيقه من تكاليف شرعية مسنونة أو مستحبة،
مثل حفظ القرآن أو السنة أو كليهما معًا وذلك بين عشية وضحاها ويلزمونهم بالقوة
على التعلم والحفظ الزائد عن طاقتهم، وهذا يؤدي إلى نتائج سلبية غير مرضية، حيث أن
الابن يملّ من هذا الروتين القهري المجبر عليه، فينفر من الحفظ و حلقات العلم، وربما
نفر الابن من كل العبادات بسبب إجبار والده وضغطه عليه لإنجاز ذلك بالشدّة والقوة.
فترى الابن وفي أول فرصة تسمح له
بالخروج من تحت عباءة أبيه ويستطيع عصيان أوامره، تراه ينطلق مسرعًا هناك بعيدًا عن
العلم وحلقاته بل وربما عن المسجد أيضًا، ومن ثم يبدأ بنسيان ما تعلمه وحفظه شيئًا
فشيئًا.
وهذه الطريقة مخالفة للتوجيه الرباني و
والهدي النبوي لأمة الإسلام، فالشريعة الإسلامية لا تكلف نفسًا إلا وسعها قال ربنا جل في علاه:" لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" وقال:" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "لن
يُنْجِيَ أحدَكُم عَمَلُهُ". قالوا: ولا أنت ؟ قال: "ولا أنا إلا أنْ
يَتَغَمَّدَنِيَ الله برحمة منه، فسدِّدُوا، وقارِبوا، واغْدوا، ورُوحوا، وشيئًا
من الدُّلْجة والقصد القَصد القصدَ، تَبْلُغُوا، وإنَّ أحبَّ الأعْمالِ إلى الله
تعالى ما داوم عليه صاحبُهُ، وإن قلَّ، فاكْلَفوا من العمل ما تُطيقون، فإنَّ الله
لا يملُّ حتى تَملُّوا".
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: فسددوا؛
أي وفقوا للصواب، فالمطلوب منا هو البحث عن الصواب وعمله، بعيدًا عن الإفراط أو
التفريط وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث؛ وقاربوا.
الْقَصْد الْقَصْد؛ أَي عَلَيْكُم
الْقَصْد والتوسط في الْأُمُور بَين طريقي الإفراط والتفريط بعيداً عن التسيب
والإهمال و المبالغة والذهاب إلى أبعد من مقدور الإنسان واستطاعته، كما في الحديث
عن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: "نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ". والتكلف
هو تكلفة النفس أكثر مما تطيقه وتقدر عليه.
وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عَليْهِ وسَلَّمَ: "اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ
خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ".
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه وهو من
كبار الصحابة الذين هم أعلم المسلمين بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومقصده ومبتغاه
يعتذر للمسلمين عندما طلبوا منه أن يعظهم كل يوم؛ فيقول: أخاف أن تملوا. فكيف
بالأخ الذي يُلزم ابنه التعلم والحفظ كل يوم ولساعات طوال، حتى يمل ابنه ويمل ويمل؛
حتى يصبح ينظر بعد ذلك لحلقات العلم والتحفيظ بأنها موعد نكد وموعد مشؤوم، ومعلوم
أنه إذا وصل الابن إلى هذه المرحلة فإنه حتمًا ستكون النتائج سلبية على المدى
البعيد وربما القريب، فعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ
النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي
مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ
بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَخَوَّلُنَا بِهَا، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا".
ورحم الله قَسَامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ
القائل: "رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِ الذِّكْرَ"، والترويح عن النفس: هو
مراعاة طاقتها وتحملها للعمل والتخفيف عنها بحسب ما تطيق لقول الله تعالى: "لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ".
لذلك فإن الصواب هو معرفة قدرات الابن
ومن ثم تكليفه بالعمل والتعلم والحفظ، على قدر ما أعطاه الله من ذاكرة حافظة وقلب
عقول وصبر نفس. والله الموفق
والله من وراء القصد
كتبه: تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
28/2/2018
إرسال تعليق