الأسباب الحقيقية لتراجع المقاومة في القدس والضفة والداخل، وبعض طرق
تنشيطها
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
توطئة
تعتبر
المقاومة الفلسطينية هي الصخرة الكؤود التي تحطمت عليها آمال وطموح أرباب المشروع
الصهيوصليبي والذين كانوا يريدون احتلال فلسطين والتهامها في أسرع وقت ممكن ومن ثم
ينطلقون لإكمال سيطرتهم على المنطقة بأسرها، ولكن أبطال المقاومة الفلسطينية ومعهم
الأحرار أبوا إلّا أن يبددوا أحلامهم ويحرمونهم من الأمن والأمان والاستقرار في
فلسطين، فواصلوا جهادهم ضدهم وأعاقوا سيرهم وأخرَّوا إحكامهم السيطرة على المنطقة،
حتى نشطت الأمة وقامت بثورات الربيع العربي والتي اعترف العدو الصهيوني أنها جعلته
بحاجة إلى ترسيخ شرعيته وتوطيدها من جديد، وهذا ما أقر به قائد لواء الأبحاث في شعبة
الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقًا عاموس جلبوع حيث قال: الثورات العربية أعادت
"إسرائيل" إلى الواقع الذي تلا حرب 48، من حيث رفض شرعيتها.
وقال
القائد في الموساد دان إلدار: نجاح ثورة 25 يناير كان سيسمح بالتعبير عن عداوة إسرائيل
الراسخة عميقًا في الوعي الجمعي للمصرين.
الدور الكبير لأهلنا في القدس والضفة في وقف المشروع الصهيوصليبي في
فلسطين
سؤال
يطرحه كثير من المخلصين حول تراجع المقاومة في القدس والضفة الغربية والداخل وهذا
سؤال مهم والوضع العام يفرض طرحه، حتى أنني وللأسف سمعت بعض الأفاضل يُلقُون
باللوم على أهلنا في القدس والضفة وينسبون تراجع المقاومة لهم، فيقولون لولا
ركونهم إلى الدنيا وخوفهم من تبعات المقاومة لما تخلوا عنها ولا تراجعت! وهذا قول
غير صحيح أبدًا، فإن أهلنا في القدس والضفة كانوا ولازالوا رأس حربة في مقاومة
الأمة وصمودها في وجه الحرب الصهيوصليبية، وذلك بصمودهم في وجه الاحتلال الصهيوني
والذي يشكل رأس الحربة هذه الحرب الصهيوصليبية ومحورها، فهم لايزالون ثابتون في
أراضيهم ولم يفرطوا بها بالرغم من المبالغ الطائلة التي تُدفع لهم لبيعها والتنازل
عنها لصالح الاحتلال الصهيوني، كما أنهم لايزالون يلقنون الاحتلال الصهيوني
الضربات تلو الضربات والتي زعزعت أمنه واستنفرته مدار الساعة ما أدى لاستنزافه
واستنزاف أسياده في أوروبا وأمريكا حتى بتنا نسمع بين الفينة و الأخرى اعترافاتهم
بأن الاحتلال الصهيوني أثقل عليهم في النفقات وجرّ عليهم العداوات.
كما
كان لهم دور مباشر وأساسي وقوي بل ومزلزل جدًا للمشروع الصهيوني في حقبة التسعينات
ما أدى للهجرة العكسية حيث بتنا نسمع ونرى الصهاينة وهم يفرون من فلسطين إلى حيث
مسقط رأسهم الأول في أوروبا وأمريكا وروسيا.. إلخ، وفي عام 2000 م ومع انطلاق
انتفاضة الأقصى بدأ أهلنا في الضفة الغربية والقدس بل والداخل بالقيام بعمليات
استشهادية فاقت كل توقعات الاحتلال حتى أنهم كانوا يوميًا يضربون الاحتلال بعدة
عمليات استشهادية في قلب مدنه الكبيرة ما أدى لارتفاع أعداد القتلى في صفوفه وانتشار
الرعب بينهم حتى عم المدن الكبيرة وشوارعها وأزقتها و أطرافها وكل مكان، حتى أصبح
كل الصهاينة المحتلين لا ينامون الليل من الخوف كما كانوا يصرحون بذلك، و كذلك فإن
الرعب شل تحركاتهم وكثير من مصالحهم وهذا دفع أعدادًا كبيرة منهم للهجرة والهروب
من فلسطين.
الأسباب الحقيقية لتراجع المقاومة في القدس والضفة والداخل ؟
يعتبر
هذا الجواب من أكثر الحقائق غموضًا لحساسيته ولتهرب المُطلِعين والمعنيين بالكتابة
فيه لدواعي كثيرة منها: عدم الصدام والإحراج مع الآخرين خصوصًا قيادة المقاومة،
وكذلك الحزبية حيث يريد كل كاتب إظهار حركته أنها هي المخلص والمنقذ للقضية وأنها
هي الحركة التي تقوم بكل ما عليها تجاه المقاومة والمقاومين، وترى بعضهم يلتزم
الصمت وكثير منهم وللأسف يحيل أسباب تراجع المقاومة لضغط الاحتلال والسلطة فقط!
وإن كان هذا له دور فعلي، إلّا إنه ليس السبب الرئيس وذلك بدليل أن يحيى عياش رحمه
الله استطاع أن يزلزل قلب مدن الاحتلال مع العلم أن الاحتلال كان يتواجد في محيط
بيته وفي كل حارة وشارع وكل مكان وكذلك نجح أبو الهنود رحمه الله وغيره وغيره
رحمهم الله جميعًا، وكذلك نجح الأسيران حسن سلامة وعبد الله البرغوثي وغيرهما فك
الله أسرهم جميعًا، وكذلك رأينا جرأة المجاهدين الأبطال في القدس والضفة
وإبداعاتهم بفنون المقاومة، وكل ما سبق كان ينجح في ظروف شبيهة بحد كبير لظروف
اليوم من تواجد للاحتلال والسلطة والتنسيق الأمني بينهما، لكن المؤسف والحقيقة
المرّة التي أدت لتراجع المقاومة هي أن قيادة فصائل المقاومة لم تكن على قدر
المسئولية حيث أنها لم تعتن بالمجاهدين ومقاومتهم بالشكل المطلوب وكانت غالبًا
تتجاهلهم ومطالبهم، فلقد كان المقاوم يُطلّق الدنيا وزخرفها ويحمل روحه على كفه
يطير بها هناك وهناك لا يخاف في الله القتل أو المطاردة أو الأسر، ولكن إن قدر
الله واصطفاه شهيدًا أو انكشف أمره وأصبح مطاردًا أو أُصيب إصابة أعاقته عن العمل
تبدأ حينها معاناة أهله تتزايد وذلك بسبب انقطاعه عن العمل حيث يصبح توفير لوازم
البيت من مأكل ومشرب وملبس.. إلخ، مِن أصعب المهمات على أهله وهذا بسبب عدم اهتمام
قيادة المقاومة بهذا الأمر الاهتمام الكافي بحيث أنهم لم يوفرون لكثير منهم ما
يلزمهم لتسيير أمور حياتهم، حتى أن بعض المطارَدين اضطروا لمزاولة مهنهم والتحرك
بين الناس والمدن بشكل مستمر للعمل وتحصيل المال اللازم لتوفير لوازم بيوتهم وهذا
كان يؤدي لاستغلال الاحتلال لوضعهم هذا وتتبعهم واعتقالهم أو اغتيالهم، وهكذا بدأ
الاستنزاف يدب في صفوف المجاهدين ويتلقفهم واحدًا تلو الآخر حتى ضعفت المقاومة ثم
تلاشت إلا قليلًا، ولم يتوقف الأمر عليهم فحسب بل امتد بين الأهالي وأصبحت مأساة
المقاومين وما يعانيه أهاليهم على كل لسان ما أدى لنفور كثير من الشباب من صفوف
المقاومة خصوصًا العسكرية وبدأوا يتناصحون بينهم بتركها وعدم التفكير فيها حفاظًا
على الأهل وتوفير لوازم حياتهم وهذا أدى تدريجيًا لتراجع المقاومة.. أؤكد أنني لا
أنكر دور الاحتلال والسلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني بينهما في التأثير على
المقاومة وتراجع قوتها، ولكنني أؤكد أيضًا أن عدم اهتمام قيادة المقاومة له دور
كبير في ذلك، فلو تم الاعتناء بالمقاومين والاهتمام بشؤونهم وتوفير احتياجات
أهاليهم في حال اضطروا لترك أعمالهم، فإنه في هذه الحالة لا يمكن للاحتلال و
السلطة تحجيم المقاومة بالدرجة التي نراها اليوم ولا يمكن أن يسيطروا عليها، ونجاح
يحيى عياش وأبو الهنود وغيرهم رحمهم الله وكذلك نجاح الأسيران حسن سلامة وعبد الله
البرغوثي فك الله أسرهما وغيرهم أكبر دليل، حيث أنه نجح بعضهم في ظل وجود الاحتلال
في المدن والقرى والمخيمات والأزقة ونجح بعضهم الآخر بالرغم من وجود الاحتلال في
كل مكان وأثناء تنسيقه الأمني مع السلطة، وعلى هذا فإن إلقاء المسؤولية عن العاتق
وخذلان المقاومة والمقاومين بحجة وجود الاحتلال والسلطة والتنسيق الأمني بينهما
أمر مرفوض من قيادة المقاومة جملة وتفصيلًا وعليها أن تعيد حساباتها في ذلك أو
تترك المجال لغيرها.
كما
أن كثيرًا من المقاومين لا يجدون مأوى عندما يصبحون مطلوبين لقوات الاحتلال أو
السلطة الفلسطينية فيضطرون للذهاب لبيوت المقربين منهم وهذا يُسهِّل عملية الوصول
إليهم واغتيالهم أو اعتقالهم وهذا لاحظناه وشاهدناه كثيرًا، وهو مُلاحَظ لكل من
يتابع الأخبار بعين المحبة والحرص على المقاومين حيث أنه يتم الوصول إليهم إما في بيوت
أصدقائهم المقربين الذين تربطهم بهم علاقات قوية ومتواصلة أو في بيوت أخوالهم أو أعمامهم
أو أي من أقاربهم من الدائرة الأولى، حتى أن بعضهم تم محاصرتهم في بيوتهم واعتقالهم
منها أو اغتيالهم فيها.
وكذلك عدم الاعتناء بمن يهدم الاحتلال بيته حتى
أن عائلة المقاوم تصبح تطوف على الجمعيات والمؤسسات لكي تتمكن من إعادة بناء
بيتها، والصواب أن تتكفل بذلك قيادة المقاومة بطريقة أو أخرى.
هل فعلًا القيادة عاجزة عن تمويل المقاومة في القدس والضفة والداخل ؟
وكذلك
فإن بعض المدافعين عن تقصير قيادة المقاومة في حق المقاومين وعدم تهيئتها الظروف التكافلية
المناسبة لهم، نراهم يذهبون للتبرير بحجة عدم توفر المال الكافي، فيقولون: إن
تكاليف المقاومة باهظة ودخل حركات المقاومة بسيط لا يكفي لدعم المقاومة بالصورة
المطلوبة.
فأقول:
هذه حجة واهية وبما أن التراجع الثوري حصل بعد نهوضه بشكل كبير عام 200م أي مع
انطلاق انتفاضة الأقصى وبما أنه تزامنت فترتي الانتخابات البلدية والتشريعية في
ذاك الوقت فإنني أقول: لقد كشفت الانتخابات والمهرجانات كذلك أن هناك أموالًا
طائلة في القدس والضفة، فلقد رأينا حجم الإنفاق على الدعايات الانتخابية والمهرجانات
وغيرها وفي نفس الوقت كان المقاوم لا يجد قوت يومه أو ما يسد به احتياجات أهله أو
ما يوفر له مسكنًا آمن ولو نسبيًا، وللأسف فإن هذه الحالة لازالت تتكرر وهذا ملاحظ
ونشاهده في كل جولة انتخابية والتي تحدث باستمرار في الجامعات وغيرها- ذكرت
الانتخابات والمهرجانات هنا كمثال لأن الجميع يستطيع أن يراهما ويتابعهما -، حيث
أننا نرى الانفاق على الانتخابات والمهرجانات وفي نفس الوقت نرى الشح والإمساك
والبخل على المقاومة والمقاومين.
حتى
أصبح المقاوم وكأنه مطلوب منه أن يقاوم ويضحِّي بكل ما يملك -نفْسَه ومصدر رزقه
وحياته الاجتماعية.. إلخ- وليس على قيادة المقاومة أي التزام إلّا القليل والذي لا
يمثل معشار ما يمكّن الأهالي من الصمود، مع أنها-القيادة- هي التي تتغنى ببطولات
المقاومين وتبني أمجادها على تضحياتهم.
أثر الاتفاقيات على المقاومة
وقّعت
فصائل المقاومة اتفاقيات عدة مع الدول العربية كمصر والأردن والسعودية وغيرها
والتي كانت تستدعي قيادة المقاومة وتحاورها بصفتها وسيط بين المقاومة والاحتلال
ولذا كانت هذه الاتفاقيات ملزمة للمقاومة وبضمانة عربية، وكانت هذه الاتفاقيات تتم
أثناء مرور المقاومة بظروف معقدة وصعبة ولذا كانت تنال من المقاومة شيئًا ولو
قليلًا، ولكن ومع الأيام وتراكم الاتفاقيات أدى ذلك بمجموعه لتضيق الخناق على
المقاومة أكثر فأكثر حتى تم تحجيمها وتقييدها على حدود ال1967 م، ولازالت هذه
الاتفاقيات ملزمة وتلتزم بها الفصائل تمامًا إلّا في حالات نادرة جدًا جدًا كما في
حرب 2014م.
الحل
الحل
والمخرج لكل ما سبق ولإعادة بناء مقاومة سليمة معافاة من أي مشاكل أساسية أو قيود
دولة، هو تشكيل حركة إسلامية ثورية وسطية المنهج بعيدة عن الغلو والإرجاء، حركة
غير ملتزمة بأي اتفاقيات دولية أو إقليمية تُقِّيد تحركاتها وجهودها الثورية وتحجمها، حركة لا تُلزم نفسها بأي اتفاقيات من
التي تم إبرامها مع حركات المقاومة سابقًا، ويكون مِن أهم ركائزها الثورية هو عدم
الانجرار وراء دعوات الدول العربية الحالية ومن على شاكلاتها للنقاشات حول
المقاومة وحدودها، وليكن قرارها خالص من ذاتها وليس مرهونًا لأي جهة، ولتركز في
مقاومتها على ضرب الاحتلال في قلب مدنه حيث أمنه ومأمنه، ولتطارده في الخارج
خصوصًا القائمين على إمداداته البشرية والمالية والنفوذية.
كما
أنه يجب الرعاية والاهتمام بالمقاومين وتوفير كل ما يلزم لإنجاح المقاومة
والاهتمام بها كأفراد أو سلاح وتَحَمُّلُ كل تبعات ذلك من نفقات وغيرها. وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
والله
من وراء القصد، وهو ولي التوفيق
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه/ الباحث
في الشئون الشرعية والسياسية
تيسير
محمد تربان
فلسطين
– غزة
3-12-2017م
إرسال تعليق