الحمد لله مالك الملك، الذي يؤتي
ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء، القائل: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ "، والقائل: "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، والصلاة والسلام على قائدنا وسيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم، القائل: "" أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ
أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا،.. وَقَالَ:
إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ
كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ
اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي
فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ
نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً
مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، قَالَ: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ
ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ
رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو
عِيَالٍ، قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ،
الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا،
وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا
خَانَهُ،..".
وبعد
مقارنة بين أسلوب حماس وطالبان في مواجهة الغزاة،
ونتائج كل منهما
توطئة
قبل سبعة عشر عامًا ضرب تنظيم القاعدة أمريكا في عقر أمنها
ومأمنها حيث ضرب برجي التجارة العالمية والبنتاجون، وعلى إثر ذلك زادت أمريكا نسبة
استنفارها وملاحقتها للشيخ أسامة بن لادن رحمه الله تعالى، وضاعفت نسبة إلحاحها
وضغطها على الإمارة الإسلامية في أفغانستان-طالبان- لكي تسلمه لها، حتى إنها
هددتها إن لم تسلمه لها بأنها ستقوم ضدها بحرب ضروس، إلّا أن الإمارة وعلى رأسها
أميرها الملا عمر رحمه الله تعالى، رفضت ذلك وبكل قوة وإصرار وكان أقوى دوافعها
لرفض تسليمه؛ هو عدم جواز ذلك شرعًا.
انقسم المسلمون في هذا الأمر إلى قسمين:
القسم الأول يقول:
الأفضل أن تسلمه طالبان لطرف ثالث لتجنب الحرب وويلاتها، مستندين على أن الطرف
الثالث لن يسلم الشيخ أسامة لأمريكا، ومنهم من كان يطرح الاشتراط على الطرف الثالث
ألا يسلمه لأمريكا، وكذلك لكي لا يتم تدمير أفغانستان.
والقسم الثاني يقول: لن
نسلمه. وعلى هذا كان السواد الأعظم من المسلمين عمومًا ومن طالبان خصوصًا. ولقد
رفضوا ذلك مستعينين بالله ومتوكلين عليه أولًا. وثانيًا؛ لأن أمريكا كانت تنوي غزو
أفغانستان على كل الأحوال، وكانت قد أعدت الخطة واستعدت لذلك وكانت طالبان تعلم
ذلك جيدًا. ولكن وللأمانة فإن طالبان رفضت تسليمه في الأساس ومن البداية لأن ذلك
لا يجوز شرعًا؛ أي امتثالًا وطاعة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
مقارنة سريعة بين سياسة حماس وطالبان في مواجهة
الاحتلال، ونتائج كل منهما
لاشك أن حماس حركة قوية في المواجهة والصمود والتحدي في وجه
الاحتلال الصهيوني وهي العائق الأكبر حاليًا في مواجهته وخلط أوراقه، ولكن هذا لا
ينفي أنها أخطأت في عدة أمور شرعية وعسكرية وسياسية قيّدتها تدريجيًا وفرضت عليها
معادلات صعبة حتى خنقتها وقيّدتها.
منها: أن حماس سعت وحرصت منذ زمن بعيد على مجاراة المجتمع
الدولي وعلى رأسه أمريكا، والقيام بفعل ما يستجلب رضاها لتكف شرها عنها ولتخفف من
ملاحقتها والتضييق عليها.
ومنها: التغني بالقرارات الدولية والتناغم معها محاولة بذلك جمع
التناقضات في سلة واحدة، وهذا دفعها لتقوم بأمور كثيرة مخالفة للشرع؛ كالثناء
والإطراء على الأحزاب الشيوعية ذات المنهج الكفري الواضح والدعوى للوحدة معها
والتصريح بأن هدفها يلتقي مع هدف تلك الأحزاب الكفرية التي لا ترى حرجًا في التعدي
على الإسلام سرًا أو جهرًا، وإن كانت لا تهاجمه اليوم علنًا بسبب التغيرات التي
طرأت على الساحة وانتشار الإسلام وأفكاره.
ومنها: الثناء على رؤوس الإجرام والإرهاب، كالسيسي وبلير
وغيرهم.
ومنها: مشاركتها في الانتخابات التشريعية والتي دفعتها للقيام
بكثير من المخالفات الشرعية قبل وبعد فوزهم بها، ومن هذه المخالفات؛ القسم على
احترام الدستور والاحتكام لرأي الأكثرية والثناء والإطراء على النصارى ومشاركتهم
في نفس القائمة أو نفس المحور.
ومنها: انتشار الظلم والتعدي على أموال الناس بالباطل باسم
الضريبة وحقوق الحكومة.
ومنها: عدم محاربة السفور والفجور الذي ملأ الشوارع المنتزهات
والمنتجعات.. إلخ.
ومنها: التواطؤ مع النظام الدولي الإرهابي ضد بعض الجماعات
الجهادية في العالم، ففي يوم نشرت قناة الأقصى تقريرًا مصورًا عن مجاهدي الصومال
وركزوا في التقرير أن مجاهدي الصومال يصرون على التمسك بأحكام الشريعة جملة
وتفصيلًا.. إلخ، وفرض ذلك بالقوة، وزعموا في التقرير أن الإسلام لا يقوم بمثل
طريقتهم. كما أنهم وصفوا مجاهدي الصومال في التقرير بالإرهابيين والمتشددين.. إلخ
من هذه الخزعبلات (لستُ هنا بصدد الدفاع عن أفكار مجاهدي الصومال أو مهاجمتها ولكنني أعترض على التعامل معهم بهذه الطريقة؛ فهم يمثلون جماعة إسلامية جهادية، سواء وافقناهم أو خالفناهم الرأي). وعندما اعترضت على ذلك وقلت لأخ يعمل في القناة
و من الذين كانوا قائمين على هذا التقرير: لماذا نشرتم هذا التقرير وما
الهدف منه وهو يحمل في طياته التشويه للمجاهدين ويعطي صورة غير الصورة
الحقيقية لهم ؟ فقال مهونًا الأمر: هذا تقرير عابر وبسيط أردنا به مجاراة المجتمع
الدولي وأن نثبت للعالم أننا منفتحون ونقبل الآخرين و الوحدة معهم، وأننا ليسوا
متشددين. فقلت له: ولكن هذا حرام شرعًا. فضحك وقال: يا سيدي ربنا يغفر لنا. وكأن
الأمر مجرد معصية خفية بين العبد وربه. والله المستعان.
ولكن وبالرغم من سياسة حماس التي تجاري من خلالها النظام
الدولي، إلّا أنها تراجعت ميدانيًا ولم تحقق معشار ما كانت تطمح تحقيقه بل إن
حالها اليوم بات يُحزِن كل محب للمسلمين والمستضعفين ولا يسر إلّا أهل الكفر
والشقاق والنفاق والجهل والانغلاق، فلقد باتت ملتفة على نفسها منشغلة بهمومها تعمل
ليل نهار لتحسين الوضع المعيشي لأبنائها الذين هم حملة مشروعها وهم عمودها التي
ترتكز عليه، ولو أردنا دليلًا واضحًا على تراجع قوتها وحيويتها فعلينا متابعة
عجزها عن ضرب الاحتلال الصهيوني في عقر مدنه التي اغتصبها منا عنوة، وسواء كان هذا
التراجع بسبب الاتفاقيات التي وقعتها أو بسبب خوفها من ردة فعل الاحتلال الصهيوني
المجرم حتى لو كان الأمر غير ما ذكرت فإن عجزها عن النجاح في التنفيذ أيضًا دليل
على تراجع قوتها وحيويتها، أما القوة المتكدسة في غزة فليس هي كل شيء طالما أنها
عاجزة عن التمدد القوي والحيوي في الضفة والقدس أيضًا.
كما أن ما يدور في الإعلام من الانشغال الكبير لحماس بموضوع
رواتب موظفيها وفتح المعبر وتوفير لوازم الحياة من المأكل والمشرب والكهرباء، حتى
أنها باتت تجامل وتداهن محمد دحلان والذي أدخلها في مشاكل وأزمات داخلية وإقليمية
بل ودولية، و تارة أخرى تجامل وتداهن محمود عباس رأس التنسيق الأمني والاعتقال
السياسي بحق أبنائها وكل هذا في سبيل الوصول مع أحدهم للتنفيس عن أبنائها خصوصًا
وعن أهل غزة عموماً والذين باتوا أمانة في عنقها، وهذا دليل على أن السير في فلك
المجتمع الدولي ومحاولة إرضائه واستعطافه أو استلطافه أو التقرب منه أو خداعه، أمر
لم يكن موفقًا وهو مكشوف كذلك ويعطي نتائج سلبية وعكسية، لأن المجتمع الدولي يملك
القوة المالية والنفوذية وهو كذلك خبيث ومجرم ومطلع على الخطط والألاعيب
والمراوغات ويفهمها جيدًا ولذا ليس من السهل خداعه وجرّه لدائرة تجعل النتائج
لصالح حماس أو غيرها من حركات المقاومة والتحرر.
ولذا رأينا الاحتلال الصهيوني زاد من وتيرة اقتحامه للمسجد
الأقصى حتى بات يعقد عقد الزواج ويحتفل بداخله حتى تجاوز كل الخطوط الحمر والتي
كانت الدنيا تقوم ولا تقعد عندما يقترب منها مجرد اقتراب، ثم جاء إعلان أمريكا أن
القدس عاصمة إسرائيل وأنها ستنقل سفارتها لها، كما أن الاحتلال رفع سقف مطالبه في
المحافل الدولية الرسمية وتجاوز كل الاتفاقيات رسميًا وفعليًا، وغير ذلك مما يدل
على تراجع هيبة المقاومة عمومًا وحماس خصوصًا.
أما بالنسبة لحركة طالبان: فإننا نرى ونسمع كل يوم عن عملياتها
ضد الغزاة الأمريكان وحلفائهم وعملائهم، كما أننا نرى ونشاهد غزواتها وتقدمها
الميداني والتي لم تتوقف أو تهدأ بل هي كل يوم في ازدياد وتصاعد حتى أن أمريكا
باتت تعترف بتراجعها وبعجزها عن مواجهة مجاهدي طالبان، والذين رفضوا استعطاف المجتمع
الدولي وعلى رأسه أمريكا ورفضوا ان يتنازلوا لها ولو معنويًا في كثير أو قليل،
وتعاملوا معها بالندية والتحدي، ولم تتعامل معهم بالليونة إلّا فيما يخدم مصالح
الشعب الأفغاني بما لا يضر ولا يؤثر سلبًا على ثوابتها الشرعية أو الوطنية،
ولازالت طالبان تؤكد وبكل عزيمة وإصرار على مطلبها الأساس وهو لا خيار أمام الغزاة
إلا الانسحاب من كامل تراب أفغانستان لتتمكن طالبان من إعادة بناء إمارتها على
كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. حتى أن أحد كبار قادة القوات
الأمريكية في أفغانستان قال: كيف لأعظم قوة عالمية أن تحارب بشكل مستمر لأكثر من
16 عامًا، ناشرة أكثر من 100 ألف جندي في ذروة الحرب، ومضحية بحياة حوالي 2300
جندي، ومنفقة أكثر من تريليون دولار على عملياتها العسكرية، بالإضافة إلى أنها
صرفت مبلغًا تاريخيًّا آخر، قيمته حوالي 100 مليار دولار على «بناء الدولة»، والمساعدة
في تمويل جيش قوامه 350 ألفًا من الأفغان الحلفاء وتدريبهم، ومع ذلك كله لا تكون
قادرة على تهدئة واحدة من أفقر دول العالم؟. انتهى
حقيقة قطعية لاشك فيها أبدًا
تختلف النتائج في الأعمال بين من يعتمد التركيز على أهمية
التزام أوامر الله والتمسك بها والاستنارة بنوره وتتبع توجيهاته، مهما كان ظاهر
ذلك أنه مهلك باهض الثمن وأنه سيجر الويلات ومن ثم الندامة والحسرات؛ فيعتمد سلامة
المنهج ويعزم أمره ويسير على بركة ربه معتمدًا منهجه تعالى الصالح لكل زمان ومكان
وكل حال وحين، فتتحصّل له الهداية والتوفيق الرباني، وبين من يعتمد منهج السلامة
ويجاري النظام الدولي الحالي ويتنازل من أجل إرضائه حتى على حساب الشريعة
الإسلامية الغراء؛ فتراه يترك قول الله تعالى لاستحسانات عقلية يتوقع أنها ستخرجه
من ضيق الحال والأزمات إلى الرحب والسعة وفسيح النظام الدولي، فيصيبه التخذيل
الرباني والذي يؤدي إلى التراجع الميداني. ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
فالواجب على المسلم أن يلتزم توجيهات ربه ويلتزم تعاليمه لكي
يفوز بخيري الدنيا والآخرة، قال جل في علاه: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"، وقال: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا".
الخاتمة:
يجب على كل العاملين في سبيل الله أن يعلموا أن الصهيوصليبية
ليست جمعية خيرية ولا صومعة للدروشة والإحسان والبكاء على المكلوم والمكروب من
المسلمين أو غيرهم حتى، بل هي نار تأجج وتدحرج أينما وجدت أو رأت أو سمعت عن مسلم
يريد الخروج من تحت عباءتها أو عباءة أوليائها من حكام العرب، وأينما وجدت الثروات
والخيرات، ولذا وجب الوعي والحذر، والعمل بجَلَد وصبر، والجهاد والثبات عليه حتى
النصر والظفر. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا.
كتبه/ الباحث في الشئون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين . غزة
8/3/2018م