الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد،
ولم يكن له كفوًا أحد، القائل في مدح نبيه ورسوله: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ"، والصلاة والسلام على سيدنا وقدوتنا محمد القائل: "إِنَّمَا
بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ"، وعلى آله وصحبه وأجمعين..
وبعد
أهم الأسباب التي أدت لزيادة اختراق الاحتلال لصفوف
الفصائل الفلسطينية
توطئة
أهم
الأسباب التي أدت لكثرة اختراق الاحتلال الصهيوني لصفوف الحركات الفلسطينية؛ هو
عدم التزامها بقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا"، وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يا معشرَ مَن آمن بلسانه ، ولم يدخل الإِيمانُ قَلبَهُ، لا
تغتَابُوا المسلمين، ولا تَتَّبِعُوا عوراتِهم ، فَإِنَّهُ مَن اتَّبَعَ عَوراتِهم
يَتَّبِع اللهُ عورتَهُ ، وَمَن يَتَّبِعِ اللهُ عورتَهُ يَفْضَحْه في بيته".
والقادم أخطر إن لم تتب هذه الحركات عن تتبعها لعوارات المسلمين وتخوينها لهم، فإن
توفيق الله يُستجلب بطاعته والتزام أوامره، وتخذيله يحل بمعصيته ومخالفة أوامره.
والله الموفق.
خطر تجسس الفصائل على الشعب ونتائجه السلبية
من
المؤسف أننا نرى كل حركة وقد شكّلت الأجهزة الأمنية تلو الأجهزة الأمنية لمتابعة
الأهالي وتحركاتهم وتصرفاتهم وتعتمد في ذلك على منتسبيها و على ضعاف النفوس من
الأهالي، حتى أن الحركات ذات السمت الإسلامي تعتمد أحيانًا كغيرها على من لا دين
لهم ولا خلاق، ما أدى لزعزعة الثقة بين الأهالي، وزعزعة الثقة بين هذه الحركات
وبين الأهالي أنفسهم، حتى وصل الحال لفقد الثقة بين أفراد الحركة الواحدة، بل وصل
الحال لفقد الثقة بين أبناء الحركة الواحدة في الحارة الواحدة، خصوصًا أن الحركات
تعتمد في نظرتها الأمنية ومتابعتها لعموم الشعب بناء على سوء الظن غالبًا، ومن ثم
تبني على سوء ظنها هذا تصورات وتوقعات لا أساس ولا أصل لها، وهذا الذي حَذَّرَنَا
منه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيثُ قَالْ: "إِنَّ الْأَمِيرَ
إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ". ولا حول ولا قوة إلا
بالله.
كما
أدى هذا تدريجيًا لتغلغل الضغينة والحقد بين الأهالي ثم بين أفراد وقيادات الحركات
أنفسهم، كما أدى لاستسهال التنابز والاتهامات الباطلة وترويج الاشاعات والتلفيقات
الكاذبة وكتابة التقارير الكيدية والتي يُراد منها الابتزاز أو الإهانة أو
الانتقام أو الاستفزاز أو جميعه، حتى بات الشعب متنافرًا ومتناحرًا يغلب عليه طابع
التربص ببعضه بعضًا والانتقام من بعضه بعضًا. والله المستعان.
تعتمد
الفصائل على أبنائها في متابعاتها الأمنية وجمع المعلومات عن الأهالي والناشطين
الدعويين والاجتماعيين والمقاومين من غيرها، فكل فصيل يعتمد على أبنائه لمتابعة
الآخرين، وهذا جعل الشعب تدريجًا يتَتَبع بعضه بعضًا ويكتب التقارير ببعضه بعضًا
خدمة للفصائل لاتقاء سوء ظنها وعبثية تصرفاتها وأفعالها.
مِن الآثار السلبية الخطيرة لذلك
و
كل ما سبق من تعديات على حقوق الأهالي يجعل الشعب سلبيًا، يهدر طاقاته ويدمّر
معنوياته ذاتيًا، كما أنه مخالف أصلًا لما أمرت به شريعتنا الغرّاء السمحاء، حيث
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ
الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا
تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ
إِخْوَانًا"، ومعلوم أن من اقتدى بالنبي عليه الصلاة والسلام اهتدى وسَلِم
وأكرمه الله بالتوفيق والسداد والصواب والحفاظة والرعاية، ومن خالفه ضل وغوى ووقع
في تخذيل الله وحُرِم توفيقه وسداده وحفظه ورعايته.
ولو
أن الحركات قيَّدت أفعالها بضوابط الشريعة الإسلامية الغرّاء، لكان خيرًا لها
وللأهالي وأصلح للمجتمع عمومًا ولتنظيمها خصوصًا، وأَحْفَظ لها من الاختراقات
الداخلية والخارجية. والله خير الحافظين.
استغلال الاحتلال ذلك لمصلحته
التجسس
على الأهالي وتتبعهم ومحاولة تحصيل أكبر قدر من المعلومات عنهم، يدفع العضو في
الحركة لأن يكون ماهرًا في اقتناص المعلومة وتلخيصها وإرسالها عبر هاتفه النقال أو
غيره من وسائل التواصل والاتصال كالشبكة العنكبوتية، ومعلوم أن هذه المراسلات كلها
مراقبة من الاحتلال الصهيوني كما صرّحت بذلك الفصائل نفسها، ولكنها تفعل ذلك
اختصارًا لوقتها وجهدها وعبثًا واستهتارًا بأمن الأهالي عمومًا والمقاومين خصوصًا،
وهكذا يحصل الاحتلال على المعلومات التي تتناقلها تلك الأجهزة الأمنية سواء
التابعة للحكومة أو الحركة من خلال مراقبته لآليات التواصل بينهم أحيانًا ومن خلال
اختراقه بعملائه لها أحيانًا أخرى.
تؤكد
الحركات دومًا أن الهواتف النقالة أو غيرها من وسائل التواصل والاتصال كالشبكة
العنكبوتية مراقَبَة خصوصًا من الاحتلال الصهيوني، ولذا فإنها تمنع مقاوميها من
استعمال ذلك في إدارتهم للمقاومة وأنشطتها.
ومعلوم
أنه لا ينجو من الرقابة إلّا من اتخذ تدابير وطرق معقدة وهذه الطرق لا تستعملها
الفصائل في تجسسها على الأهالي، لكثرة مخبريها وجواسيسها ولصعوبة توفير ذلك لكل
العاملين معها في هذا المجال الدنيء. وهذا معلوم أيضًا لدى كل المطَّلعين.
وهنا
أيضًا يكون قد توفر في الجندي أو القائد عدة أمور سلبية خطيرة منها:
الأول:
هو استسهال مراقبة الأهالي ومتابعتهم وتتبع أسرارهم حتى أسرار بيوتهم، وبهذا يكون
قد كسر الحاجز النفسي بينه وبين هذه الفعلة المشينة الخبيثة.
الثاني:
سهولة اقتناص المعلومة وسرعة تلخيصها وإرسالها عبر هاتفه النقال.
الثالث:
هو المبرر للتجسس على الناس ومتابعة تفاصيل حياتهم بدعوى أنه يتحرك ضمن الحفاظ على
الأمن العام.
وكل
ما سبق يكسر الحواجز النفسية والميدانية عند العاملين في هذا المجال الرخيص، وهذا
يجعلهم يستسهلون التجسس على الناس مما يجعلهم عرضة لأن يقعوا في شباك الاحتلال
ويعملوا ضمن عملائه ضد الأهالي وحركاتهم. لذا لاحظنا في الآونة الأخيرة كثرة
اختراق الاحتلال الصهيوني للحركات على جميع المستويات حتى وصل لأعلى قيادات
الأجنحة العسكرية.
صحيح
أن الاختراق الأمني وارد في كل ثورة ودولة. ولكن المؤسف أن الحركات عندنا تغذيه
وتخدمه بطريقة جعلته ينتشر ويستفحل. ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
إذا كان هذا حق الطريق، فكيف بحق البيوت وأهلها ؟
معلوم
أن البيوت أكثر حرمة من الطرقات وأن حرمة الأهالي أنفسهم أشد حرمة من البيوت
وجدرانها، إذ أن عظم جرم انتهاك حرمة البيوت مبني على حرمة أهلها وساكنيها، ولذا
وجب على كل مسلم أن يتق الله وليحفظ للأهالي حقوقهم ولا يتعداها وأن يُحسن الظن
بهم فهم النهر الطاهر الذي ناصر المقاومة ولازال يناصرها ويمدها بالرجال والمال
حسب قدرته. ففي تقوى الله تعالى في ذلك ستحافظ الحركات على نفسها من الاختراقات
بطريقة تقلص هذه المصيبة، كما أنها ستحافظ على نفسيات الأهالي ومعنوياتهم وتكاتفهم
وهذا سيصعّب على الاحتلال اختراقهم واستخدامهم. ولقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ
أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا
حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى،
وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ»
الخاتمة:
وعلى
ما سبق فإنني أقول: إن السلامة كل السلامة والتوفيق كل التوفيق في تقوى الله ولزوم
طاعته، قال تعالى: "مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، ولا شك بأن التوفيق والرعاية الربانية من عظيم
رزق الله وأكرمه وأشرفه، كما أن العزوف عن
أوامره وعدم التزامها يجلب الحرمان من السلامة والتوفيق الرباني.
هذا،
والله من وراء القصد
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم
كتبه/
الباحث في الشئون الشرعية والسياسية
تيسير
محمد تربان
فلسطين
. غزة
26/2/2018م
إرسال تعليق