الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
ما هي شروط لا إله إلّا الله ؟ وما هي أركانها ؟
أجمل العلماء شروط لا إله إلّا الله في
سبعة شروط؛ ولكن لو أردنا التفصيل في هذه السبعة فستكون أكثر من ذلك، إلّا أن هذه السبعة
هي الأصل الذي يتفرع منه الكل؛ وهي:
أولًا: العلم المنافي للجهل، قال الله تعالى:
"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ"، وفي
الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".(صحيح مسلم).
إذًا يُشترط فيها أولًا؛ العلم بحقيقتها
ولوازمها وما يترتب على قولها ولا يكفي مجرد قول اللسان، بل لابد من العلم والعمل
بلوازمها.
ثانيًا: اليقين المنافي للشَّك، قال الله
تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُوا"، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله
إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنَّة".(
صحيح مسلم). وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى: مستيقناً
بها قلبه.
إذًا هي مرتبة اليقين؛ حيث يصل صاحبها مرحلة
ينشرح فيها صدره لكل ما ينتج عن أوامر الله تعالى. اليقين الذي يجعل المسلم يتوكل على
الله توكله. اليقين الذي يجعل
المسلم يسعى إلى الله ورضوانه دون الالتفات إلى المحبطين والمثبطين.
ثالثًا: الإخلاص المنافي للشِّرك، قال
الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ"، وقال: "أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ"، وفي الحديث
قال صلى الله عليه وسلم؛ عندما ذكر أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة، فقال: "الذي
يقول لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". (صحيح البخاري)
الإخلاص الذي يجعل المسلم يصرف كل عبادته
لله تعالى ولا يشرك معه غيره في الرضى بالعبادة أو الإعجاب بها، الإخلاص الذي يجعل
المسلم لا يبتغي بعبادته إلّا وجه الله تعالى فيكثر في العبادات الخفية كما في هو في العبادة العلنية، الإخلاص الذي
يجعل المسلم لا ينشغل ولا يسعى إلّا لرضى الله تعالى وحده لا شريك له. قال الله تعالى:" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ".
رابعًا: الصِّدق المنافي للكذب، كما قال
عز وجل: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ".
فسَّر ابن عباس رضي الله عنهما الصِّدق
في الآية بلا إله إلا الله، وكذلك يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما
من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلا حرمه الله
على النَّار". (صحيح البخاري).
قال القرطبي رحمه الله: الصّدّيق هو الذي
يحقق بفعله ما يقوله بلسانه.
فالصدق يجعل السريرة والعلانية متساويتان
قولًا وعملًا، ويجعل الباطن مثل الظاهر أو خيرًا منه، فتكون الأعمال الصالحة الظاهرة
التي يقوم بها المسلم ترجمة صادقة لما هو مستقر في باطنه، وهذا يستلزم من المسلم أن
يجاهد نفسه كثيرًا لتكون سريرته مثل علانيته، لا أن تكون أعماله الصالحة الظاهرة مخالفة
لباطن طالح يطوي عليه قلبه وتستقر عليه نفسه، قال الله تعالى: " سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ
لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ "، وقال:
" قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ
أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ".
خامسًا: المحبَّة المنافية للبُّغض، قال
الله تعالى: "..فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
.."، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة
الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله".
رواه البخاري ومسلم.
ويستلزم من هذه المحبة اتباع النبي صلى
الله عليه وسلم والاقتداء به في عبادته و جهاده ووفائه وعطائه وتضحيته وفدائه، قال الله تعالى: " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ".
وكذلك يستلزم من هذه المحبة موالاة المسلمين ومحبتهم ومعاداة الكافرين
وبغضهم وهذه هي أوثق عرى الإيمان، كما قال قال صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله
و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله عز و جل".
سادسًا: الانقياد لها ظاهرًا وباطنًا، كما
قال الله تعالى: "وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور"، وقال:
"وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ"، وقال: " فَلا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً
".
الانقياد هو الخضوع والطّاعة لكلّ ما أمر
به الله تعالى وأوجبه، والبعد عن كلّ ما نهى عنه الله تعالى وحرّمه.
سابعًا: القبول لها، قال الله تعالى: "احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات: 22]. إلى
أن قال: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
[الصافات: 35].[معارج القبول: 419- 424]. والقبول هو خلاف الرّفض حيث كان من عادة الأقوام
السّابقين الذين عذّبوا أن يدعوهم أنبياؤهم إلى قبول تلك الكلمة والإيمان بها فيرفضون
ذلك ويصرّون على البقاء على شركهم.
فيجب على المسلم القبول بما اقتضته هذه
الكلمة العظيمة بقلبه ولسانه ، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من نصرة
وتوفيق من قَبِلها وانتقامه ممن ردها.
قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مَثَلَ
ما بَعَثَنِي الله عزَّ وجلّ به من الهُدَى والعلم؛ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أَرْضًا؛
فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أَجادِبُ
أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفةً منها أخرى،
إنما هي قيعان لا تُمْسِكُ ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مَثَل من فَقُه في دين الله، وَنَفَعَهُ
بِما بَعَثَنِي اللَّهُ، فعَلِم وعلَّم، ومَثَل
من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدَى الله الذي أرسلت به". (رواه البخاري ومسلم).
أركان لا إله إلّا الله:
أركان لا إله إلا الله هما اثنان: نفيٌ،
وإثباتٌ. فالنَّفي في قوله: لا إله؛ حيث تنفي جميع ما يُعبد أو يشرّع أو يحكم من دون
الله.
والإثبات في قوله: إلا الله؛ حيث أنها تُثبت
العبادة والتشريع والحكم له وحده لا شريك له عزَّ وجلَّ.
وإثبات التَّوحيد يكون بهذه الكلمة باعتبار
النَّفي والإثبات المقتضي للحصر.
النفي "لا إله"، بدون الإثبات
هو الإلحاد والكفر بعينه، والإثبات "إلّا الله" دون النفي هو الشرك
والكفر بعينه؛ وهذا هو المعنى المقصود والمطلوب لشهادة أن لا إله إلا الله، والذي هو:
الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
قال الله تعالى: " فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ "، أي من يكفر بالطاغوت ويؤمن
بالله يكون قد استمسك بلا إله إلّا الله.
هذا والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه/ تيسير محمد تربان. أبو عبد الله.
فلسطين / غزة
4/12/2018
إرسال تعليق