الحمد لله، نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا
مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدًا عبده ورسوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"، "يَا
أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا".
وبعد
التخابر مع الاحتلال وحكمه الشرعي
في الإسلام
توطئة
ثبت في القرآن والسنة
وإجماع الأمة على أن قتل المسلم
عمدًا جريمة نكراء وكبيرة تلقي
بصاحبها في جهنم، كما قال ربنا تعالي: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، إلّا أن هناك حالات أجازت
فيها الشريعة قتل المسلم بل أوجبت ذلك أحيانًا.
ولقد اختلف العلماء في
مسألة تكفير وقتل الجاسوس المسلم الذي نقل أخبارًا للكافرين المحاربين، وهذا
الخلاف معتبر ولكل دليله في ذلك.
ولكنني لاحظت أن البعض يسحب
أدلة تحريم قتل الجاسوس المسلم التي اعتمدها سلفنا الصالح ويسقطونها على الجواسيس
الحاليين الذين يعملون مع الكفار المحاربين كالاحتلال الصهيوني ومن على شاكلته
كأمريكا وروسيا والصين.. إلخ، من المحاربين للإسلام وأهله. فهل الحالة مماثلة وهل
الاستدلال صحيح وهل النتيجة توافق الأدلة الشرعية ؟ لتوضيح ذلك أقول مستينًا
بالله:
الحكم على الشيء فرع عن
تصوره:
معلوم أن الواجب على كل من يريد أن يفتي
في مسألة أو يتكلم فيها إثباتًا أو نفيًا، أن يكون متصورًا لها ومطلعًا على
حيثياتها فإن جهل المفتي في بعض جزيئيات المسألة يوجب عليه السكوت عن الإفتاء فيها
وإصدار رأيه حولها، إلا إن استدرك على نفسه وقال: إن كان الحال كذا فإن الحكم كذا،
ولا يكون الحكم النهائي إلّا بعد الاطلاع الكامل والمفصَّل.
ولقد اتفق العلماء على
قاعدة مختصرة في ذلك فقالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وهذا ما ذكره وزاده
توضيحًا العلّامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "إعلام الموقعين" حيث
قال:
وَلَا يَتَمَكَّنُ
الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا
بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ
وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ
وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي:
فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ
بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ
يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ
فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا؛ فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ
بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ،.....وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ وَقَضَايَا الصَّحَابَةِ
وَجَدَهَا طَافِحَةً بِهَذَا، وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا أَضَاعَ عَلَى النَّاسِ
حُقُوقَهُمْ، وَنَسَبَهُ إلَى الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا
رَسُولَهُ-صلى الله عليه وسلم-. انتهى.
توصيف المسألة والمقارنة بين
الحالتين:
قال بعض العلماء بعدم جواز
قتل الجاسوس المسلم واستدلوا على ذلك بقصة الصحابي الجليل حاطب رضي الله عنه والكتاب، وهذا من أقوى أدلتهم
التي ذهبوا إليها في هذه المسألة، ثم جاء بعض أهل العلم من المعاصرين واستدلوا
بأدلة علماء السلف الذين قالوا بعدم جواز قتل الجاسوس المسلم، وقالوا بعدم جواز
قتل الجاسوس الذي يتخابر مع المحاربين من الكفار كالاحتلال الصهيوني أو الأمريكي
أو الروسي أو الصيني.. إلخ ضد المسلمين، إلّا إذا قتل فإنه يُقتَل قصاصًا. فهل هذا
صحيح ؟
أقول: لكي نحكم على صحة هذا
القياس أو بطلانه لابد من النظر في الحالتين وذكر أساسيات أحوالهما، بصورة تبين
لنا حالهما لدرجة تمكننا من المقارنة بينهما ومن ثم نشملهما بحكم واحد أو نجعل لكل
واحد منهما حكم مختلف عن الآخر.
أبتدأُ بذكر بعض أحوال حاطب
رضي الله عنه. فأقول: حاطب رضي الله عنه صحابي جليل من كبار المهاجرين والذين قال
الله تعالى فيهم: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وهو كذلك من الذين شهدوا
غزوة بدر والذين قال فيهم رسول صلى الله عليه وسلم: "اطَّلَعَ اللهُ عَلَى
أَهْلِ بَدْرٍ, فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ".
فهو من كبار المهاجرين وممن شهدوا غزوة بدر وهذه حسنات كبيرة والحسنات يذهبن
السيئات فكيف بالحسنات العظام مثل الهجرة الأولى مع النبي عليه الصلاة والسلام
ومشاركته في غزواته ؟ وكان رسولَ رسولِ الله عليه الصلاة والسلام إلى المقوقس . و
إرساله الكتاب إلى الكفار كان مرة واحدة ثم ندم عليها ندمًا كبيرًا وشهد له النبي
عليه الصلاة والسلام بصدقه في قوله كما شهد له أنه مغفورًا له بدليل حديث النبي
عليه الصلاة والسلام أعلاه والذي فيه".. اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
وهنا يلزمنا أن نذكر قصة حاطب والكتاب؛
والتي حدثت مع حاطب رضي الله عنه أثناء تجهيز النبي عليه الصلاة والسلام لفتح مكة:
فعن عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
أَبِي رَافِعٍ، قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ،
وَالمِقْدَادَ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ
بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا
تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ
بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ،
فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ:
فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، إِلَى
نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ
عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ
حَلِيفًا، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
المُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ،
فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ
عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ
دِينِي، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ»، فَقَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ،
فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ
اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ
غَفَرْتُ لَكُمْ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ}- إِلَى قَوْلِهِ -
{فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
أحوال من يتجسس على المسلمين
لصالح الكفار المحاربين في وقتنا المعاصر
فإنه ليس من المهاجرين الأولين أصحاب
السبق والأكثر صدقًا والذين شهدوا مع النبي كل المشاهد وناصروه في كل المصاعب -كما
كان حاطب رضي الله عنه- ولا هو من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا هو شهد
بدرًا ولا هو شهد له النبي بصدق قلبه ولا هو من القرون الأولى ولا ولا.. إلخ. وربما كان هذا الجاسوس لا يصلي ولا
يصوم ولم يركع لله ركعة في حياته، حتى لو كان يصلي فإنه قد جمع مع صلاته جريمة
موالاة الكفار المحاربين ضد المسلمين، والتي لوحدها وبهذه الصورة تخرجه من ملة
الإسلام.
خطأ تسميتهم بالجواسيس
تكمن خطورة الجواسيس المعاصرين في أنهم
يتواصلون مع الكفار المحاربين كالاحتلال الصهيوني أو الأمريكي باستمرار حيث
يمدونهم بالمعلومات التي يحتاجونها، ولذا فإن تسميتهم بالجواسيس خطأ جسيم يقع فيه كثير
من المسلمين، والصواب أن نسميهم جنودًا تابعين للكفار المحاربين فهذا هو الوصف
الذي يتناسب مع عملهم . فالجاسوس الذي يصح قياس مسألة حاطب عليه هو الذي يدل على
معلومة أو معلومتين غير مهلكة للمسلمين وتكون فعلته هذه لمصلحة ضرورية، كأن يمنعه
الكفار من تجاوز منطقة سيطرتهم للسفر للعلاج أو ما شابه ذلك إلّا بعد أن يخبرهم عن
أمر ما ويكون هذا الأمر غير خطير . ففي هذه الحالة ممكن أن نتطرق لقصة حاطب ونبدأ
بالقياس ومن ثم استنباط الحكم المناسب .
أما الحالة الشائعة في الجواسيس فهي
التواصل المستمر لأجل المال أو النفوذ أو غيره من التفاهات والرذائل .
حتى لو افترضنا أن تواصلهم مع الكفار
المحاربين كان لضرورة فإن إمدادهم بالمعلومات التي تكشف خبايا المسلمين وسر قوتهم أو
ضعفهم أو أماكن تخزينهم للسلاح.. إلخ، فإنه ينقل الجاسوس من الجاسوسية إلى
الاندماج الكامل في صف الكفار المحاربين وبهذا يصبح الجاسوس جنديًا حكمه حكمهم وإن
صلى وصام وزعم أنه مسلم.
الحكم الشرعي:
بالنسبة لحاطب رضي الله عنه وأرضاه فلقد
شهد له النبي عليه الصلاة والسلام بالصدق، فإنه رضي الله عنه لما سأله النبي عليه
الصلاة والسلام، «يَا حَاطِبُ، مَا
هَذَا؟»، فأجاب حاطب.. وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلاَ رِضًا
بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ»، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ: " إِنَّهُ
قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ
بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ".
ولذا فإن قياس ما حدث مع حاطب على ما
يحدث مع الجواسيس اليوم فيه تجني على حاطب وتعدي على حقه ومكانته العظيمة حيث أنه
من السابقين الأولين في الإيمان والهجرة والجهاد، الذين قال الله فيهم: رضي الله
عنهم و رضوا عنه . فمن العجب العجاب أن نقارن من شهد الله ورسوله له بالخيرية
بغيره من المجرمين، مع العلم أن ما حدث منه هي زلة واعترف بخطئه وتاب، أما الجاسوس
اليوم فإنه يرتكب الجرائم تلو الجرائم ولا تحدث منه توبة إلى أن ينكشف أمره فتراه
يقول: إني تبت الآن ولن أعود، ولذا فإن توبته هنا غير مقبوله في الحكم البشري
الدنيوي ويجب أن يُعامل على ما تم انكشاف أمره عليه بأنه جاسوس وصل به الحال أن
أصبح جنديًا من جنود الكافرين بسبب تواصله المستمر معهم، وليس بالضرورة أن يكون
تواصله معهم كل ساعة فإن تواصله من حين لآخر لرفع التقارير أو الإخبار عن
المستجدات يعتبر تواصلًا مستمرًا، مع العلم أنه على مدار الساعة جاهز لاستقبال أو
إجراء اتصال مع الاحتلال من خلال الهاتف النقال أو غيره من الوسائل الحديثة التي
سهّلت عملية التواصل بين الناس، إضافة إلى أن استخبارات الكفار المحاربين يملكون
من الأجهزة الحديثة للتواصل ما يُعجِز قدرات المجاهدين عن متابعته أو كشفه، ولذا
فإن هذا الجندي والذي يسميه البعض بالجاسوس!! بل إن البعض يسميه الجاسوس المسلم!!!
فإنه ليس كذلك بل ينطبق عليه قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، ومن المعلوم أن العمل معهم وإمدادهم
بالمعلومات عن المسلمين ومناصرتهم والاصطفاف معهم ضد المسلمين فإنه من أقوى أنواع
الموالاة و أخطرها والتي تنقل صاحبها من ملة الإسلام إلى الكفر مهما صلى وصام وزعم
أنه مسلم، وهذا أيضًا هو نفس الحكم فيمن يوالي الشيوعيين الروس والصينيين وغيرهم
من أهل الكفر والإلحاد من المحاربين للإسلام وأهله والذين يحتلون بلاد المسلمين
ويُفسدون في دينهم ويقتلونهم كبارًا وصغارًا رجالًا و نساءً وينهبون ثرواتهم ويعيثون
في الأرض فسادًا وإفسادًا.
لذلك فإن هذا الجندي التجسسي يُقتل بسبب
ردته ومحاربته للإسلام وأهله، سواء شارك في قتل المسلم مباشرة بيده أو تسبب في ذلك
من خلال الإخبار عنه أو جهلنا حاله هل أدت معلوماته للقتل أم لا، فإنه في كل
الأحوال جندي كافر محارب حكمه حكم المحاربين من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم،
قال الله تعالى: "وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"
وأفعال هذا المجرم الذي نتحدث عنه دليل على أنه تولاهم بكل معاني الموالاة، لذا فإنه
ينطبق عليه قول الله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ"، ولذلك يجب على كل من استزله الشيطان وأغراه للرضى بهذا الطريق أن
يعود إلى الله ويتوب إليه فما عنده من النعيم المقيم خير وأبقى وما عنده من العذاب
أشد وأنكى، وليبادر إلى العودة لدينه وأمته وأهله وليتعاون معهم على ما يرضي الله
تعالى، فإن الدنيا دار ممر والآخرة دار المستقر، ففيها إما نعيم إلى ما لا نهاية
وإما عذاب إلى ما لا نهاية.
الخاتمة
لاشك أن الفقر انتشر في ديار المسلمين
وأن المضايقات عليهم لازالت تتوالى وتتزايد وأن كثيرًا منهم باتوا بحاجة لما في
أيدي الكفار من مال أو نفوذ.. إلخ، ولكنني هنا أذكّر المسلمين في كل مكان بأن
الدنيا فانية بما فيها من نعيم أو ضيق وفقر وأن ما عند الله خير و أبقى، وأن متاع
الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة لا شيء، وأن المطلوب من المسلمين هو الصبر على
البلاء طمعًا بتوفيق الله ومرضاته وعطائه، فإن مع العسر يسرًا كما قال ربنا تعالى:
" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْراً"، فعلى المسلم أن يوقن
بأن بعد الشدة والضيق سـيأتي الرزق والغنى
والسعة، وليصبر على ما قدره الله عليه وليطلب الفرج والتيسير منه فإنه سبحانه واسع
العطاء والرزق، وليعلم أن هذه الدنيا فانية و وقتها معدود وزمنها محدود وأن الآخرة
هي الحياة الأبدية السرمدية حياة النعيم المقيم،
قال الله تعالى: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ
وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ"، فالدنيا حقيرة لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأيامها تنقضي
بسرعة وما هي إلّا سنوات قليلة تمر مسرعة كلمح البرق لا يشعر الإنسان بها وهي تسحب
بساط العمر من تحت قدميه، قال تعالى: " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ.."، وما هذا إلّا لأن الدنيا
قصيرة جدًا سرعان ما تذهب بنعيمها وشقائها، ثم يوم القيامة يقف الإنسان أمام الله
تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بعمل صالح وقلب سليم، قال
تعالى: "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ". فليحرص الإنسان على مرضاة الله تعالى والفوز
بجنانه والنجاة من غضبه وعذابه ونيرانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
كتبه/ الباحث في الشؤون الشرعية
والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين – غزة
28-1-2018م