الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
كيف
نستفيد من الكل الثوري, لتخفيف الضغط عن ثوار فلسطين عمومًا وغزة خصوصًا ؟
لاشك
أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة صعبة جدا
ربما تؤدي بها لمنعطف خطير نهايته وادي سحيق يصعب الخروج منه لعقود قادمة إلا أن
يقدر الله بحدوث تغيير لم يكن في حسبان البشر.
فلقد
بتنا نرى العالم اليوم إما متآمرًا ومتكالبًا _من شرقه إلى غربه ومن عربه إلى عجمه
إلا من رحم الله_ على قضيتنا العادلة وإما ساكتًا متفرجًا عجزا أو جبنًا, وما حصار
غزة إلا حلقة أساسية من هذا التآمر الإجرامي على قضيتنا العادلة.
فغزة تعتبر بالنسبة للقضية الفلسطينية أكبر داعم معنوي وهي المحور والمحرك للمقاومة
ميدانيًا كما هو معلوم, ففيها قيادة أكبر حركة مقاومة فلسطينية بجهازها العسكري,
وهي أرض خصبة للتدريب والإعداد. وعلى مدار تاريخ المقاومة الفلسطينية لم تصل لهذه المرحلة
من القوة والجهوزية، لذا فإنه من الحكمة والصواب العمل على المحافظة على هذه القوة
بل وتوسيعها لتشمل التيار الجهادي والتنسيق معه ميدانيًا، والاجتماع على منهج وسطي
المنهج بعيدًا عن الغلو والإرجاء.
وللحفاظ
على المقاومة وحيويتها لابد من مواجهة النظام العالمي المجرم بالحكمة والحنكة بحيث
لا نصطدم به وجهًا لوجه في الوقت الذي يسعى هو للوصول لهذه المرحلة، بل ويعمل ليل
نهار من خلال أذنابه وطابوره الخامس الذي يتواجد في غزة مستغلًا الأفكار الذي
تسللت خلسة أو مع المساعدات التي هي أحد مصادر مطعم ومشرب كثير من أهالي غزة.
فالقيام
بأي تصعيد سيؤدي إلى صدام ميداني في هذه المرحلة, لا يقوم به إلا مشبوه أو متهور لا
يعلم أبجديات العمل العسكري وأولويات إدارته, لأن ذلك سيؤدي لنتائج سلبية وعواقب
وخيمة لن تخدم المسرة الجهادية بل ستلحق
بها أضرارا جسيمة معنوية ومادية, فالمطلوب في وقتنا الحالي هو الرصد والمتابعة والإعداد والاستعداد مع تجنب أي صدام قد يؤدي في
نهايته إلى حرب غير مرحب بها في هذا الوقت.
ولكن
وبما أن الأمور وصلت لما نراه اليوم من اتفاقيات بات تنفيذها بين قوسين أو أدنى،
فما هو الحل والمخرج من هذا التكالب والتضييق المفتعل من دول الإجرام العالمي على
فلسطين ومقاومتها ؟
المخرج
من هذا هو الحفاظ على بقاء المقاومة حيوية تستنزف العدو الصهيوني على مدار الساعة،
وهذا مستلهمًا من سيرة قائدنا محمد صلى
الله عليه وسلم، ففي صلح الحديبية اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار على أن
يرد من يأتي إليه من قريش مسلمًا ، وألا ترد قريش من يأتيها مرتدًا عن الإسلام.
وإليك
ما حدث في تلك المحنة والتي جعلها منحة:
"لما
رجع –النبي صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة, جاءه أبو بصير -رجل
من قريش- مسلمًا، فأرسلوا في طلبه رجلين، وقالوا: العهد الذي بيننا وبينك، فدفعه
إلى الرجلين، فخرجا به، حتى بلغا ذا الحليفة. فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو
بصير رضي الله عنه لأحدهما: إني أرى سيفك هذا جيدًا. فقال: أجل والله إنه لجيد،
لقد جربت به ثم جربت، فقال: أرني أنظر إليه، فقتله بسيفه، ورجع أبو بصير إلى
المدينة ، فقال: يا نبي الله, قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله
منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب، لو كان له أحد. فلما سمع ذلك
عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل، فلحق بأبي بصير،
فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به، حتى اجتمعت منهم عصابة. فما سمعوا
بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش
إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم، إن أتاه أحد منهم-قد أسلم- فهو
آمن".
وهذا
عين ما نحتاجه اليوم أن تخرج مجموعة من الشباب وتفصل نفسها عن الجسم الثوري
الفلسطيني إعلاميًا بل وميدانيًا أيضًا, وتبدأ بالعمل بشكل مستقل بطريقة حرب
العصابات، وأن تراعي تَناسُبُ العمل مع ما يتوفر لها من مال ورجال، وألا تحاصر
نفسها وتلزم رجالها بالعمل داخل فلسطين فقط، بل إن سر قوتها سيكون في حرية حركتها
وانتشارها في كل بقاع الأرض وبأعداد قليلة لا تكاد تُذكر، وأن تركز على رصد
وملاحقة العدو الصهيوني بل والشركات والشخصيات التي توفر له الدعم الإعلامي
والمعنوي والمالي, لأن كل هؤلاء داخلون ضمن منظومة الاحتلال الصهيوني. في هذه
الحالة سيصبح عندنا قوة ضاربة مرنة تتحرك في العالم بسهولة ودون ارتباطات ميداني
ببعضها البعض، وهذا سيعطي الثورة الفلسطينية في الداخل القوة السياسية في الضغط
على الاحتلال الصهيوني لانتزاع تنازلات منه تؤدي لتوفير حياة مناسبة لشعبنا البطل
لحينما تتغير المنطقة ويصبح عندنا ولو دولة واحدة من الدول الحدودية نتخذها كفناء
خلفي لإدخال الرجال والسلاح والمأكل والمشرب من خلالها، لتتمكن الأمة من الدفع
بأبنائها للجهاد في فلسطين ومناصرة مجاهديها.
أما حال الثورة الفلسطينية اليوم فهو مؤسف بسبب
الحصار والتضييق الذي تفرضه الدول الحدودية مع فلسطين، هذا الحصار الظالم الذي طال
البشر والحجر والمال والسلاح ما أثر سلبًا حتى على معنويات الأهالي والثورة
والثوار.
فرعاية الشعب جزء مهم لدعم المقاومة ونصرتها بل
الشعب هو الداعم البشري والمعنوي والمادي للثورة، ولذا وجب أن نعمل من منطلق تكامل
الأدوار لا من منطلق الحزبية البغيضة التي فرقتنا وشتت قوتنا، وإن أفضل ما نجتمع
عليه هو كتاب ربنا تعالى والاعتصام به.
أما
عن آلية التواصل بين جسم الثورة الكبير وبين هذه المجموعات الصغيرة, فيكون من خلال
أحد الثقات وبشكل سري جدًا بحيث يتمكن الجسم الثوري الكبير من التنصل من مسؤوليته
عن هذه المجموعات وتبعات جهادها عالميًا, وفي نفس الوقت إبداءه الاستعداد بأن يبحث
عن تواصل معهم لمعرفة شروطهم لطرحها على الاحتلال الصهيوني وابتزازه لتحقيقها.
وهنا
تكون المجموعات الصغيرة مهمتها استنزاف الاحتلال وزعزعت أمنه كما فعل أبو بصير رضي
الله عنه, وأن يكون الجسم الثوري هو الذي يستثمر ذلك سياسيًا لصالح فلسطين
ومقدساتها.
تنبيه:
هذا التكتيك بإمكان أي ثورة أن تقوم به ضد الاحتلال الذي يجثم على أرضها, وفي
تقديري فإن الثورة السورية المباركة بحاجة ماسة له.
فهذا
هو التكامل الجهادي الذي مدحه الله تعالى بالقول :"إن الله يحب الذين يقاتلون
في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص". وكما قال صلى الله عليه وسلم:" المؤمن
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا, وشبك بين أصابعه ".
والله
ولي التوفيق
كتبه
تيسير محمد تربان
إرسال تعليق