GuidePedia

0
المقاومة الفلسطينية بين الحصار الدولي والحيوية المستقبلية المرجوّة
بعيدًا عن المجاملات والعنتريات وبعيدًا عن القفز في الهواء والصراخ بصوت مرتفع بغية  ألا نسمع حقيقة ما يدور حولنا، وقريبًا من الواقع بل ومن قلب الحدث ومؤكد الأخبار وحقيقة ما يُقال وما يُراد له أن يكون في بلادنا، فإن الواقع وما يدور معه من أقوال وأفعال وقرارات وتصريحات، يؤكد أن الحبل يواصل التفافه على عنق المقاومة الفلسطينية  ويضيّق عليها  الحلقة أكثر وأكثر، فإن الحقيقة والتي يعلمها كل أصحاب القرار من المحبين لنا ولثورتنا ومن الحاقدين علينا وعلى ثورتنا كلهم يعلمون أن قيادة المقاومة وعلى رأسها قيادة حماس في مأزق حقيقي فمن اشتداد للحصار إلى شح في الأموال، إلى ملاحقة كل الدول والمؤسسات المتعاطفة مع المقاومة وغزة وخنقها والتضييق عليها، إلى التراكمات الإدارية ومستلزماتها والتي أعجزت حماس عن توفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة لأهل غزة والذين يقعون تحت حكمها ومسؤوليتها منذ أحد عشر عام، بالإضافة إلى ما تعانيه من أزمات سياسية  محليًا  وإقليميًا ودوليًا، فكل ما سبق وغيره من أزمات دليل على عمق الحفرة التي استُدرجت إليها قيادة المقاومة خصوصًا حماس، وزيادة على ما سبق ما جاء في بيان الممثل الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات حول جهود المصالحة بين حماس وفتح حيث  قال: أن جميع الأطراف تتفق على ضرورة أن تتمكن السلطة الفلسطينية من تسلم زمام مسؤولياتها المدنية  والأمنية الكاملة وبشكل حقيقي ودون معوقات في غزة، وأن نعمل سويًا لتحسين الحالة الإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
كما أكدت الولايات المتحدة الأمريكية من جديد على أهمية التقيد بمبادئ اللجنة الرباعية وهي أن أي حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم التزامًا لا لبس فيه بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل وقبول الاتفاقات والالتزامات السابقة الموقعة بين الطرفين، بما في ذلك نزع سلاح الإرهابيين والالتزام بالمفاوضات السلمية.
وإذا كانت حماس معنية بأي دور في حكومة فلسطينية، فيجب عليها أن تقبل هذه المتطلبات الأساسية. أ_هـ

ولكي نقرأ الواقع أكثر ونفهمه  كما هو حاصل فعلينا ألا ننسى أن أمريكا هي التي تدفع رواتب السلطة الفلسطينية  مع الاتحاد الأوروبي وهي التي تتحكم بالسيسي وحكومته وأجهزة مخابراته.

إذن فمصير المقاومة الفلسطينية والذي لازال متعلق بمصير حماس حتى الآن بات مهدد تهديدًا حقيقيًا قد يؤدي إلى طمسها لسنوات طويلة إذا لم تتمكن من الافلات والهروب من الدوائر والاتفاقيات الدولية والتطورات الميدانية والتي باتت تحاصرها، وهذا يستدعي تشكيل جسم مستقل عن كل الفصائل التي لازالت عاجزة عن الخروج من الأزمة، ولا أظنها تخرج عما قريب وإن خرجت فلن تخرج سليمة معافاة قادرة على مواصلة المقاومة، وذلك لأن حماس التي تعتبر أهم جسم في المقاومة باتت بين خيارات محصورة كلها لا تساعدها على النهوض بل كلها خيارات صعبة وأهم هذه الخيارات ثلاثة وهي:
1-إما أن تشارك حماس في الحكومة وتلتزم بكل ما التزمت به من اعتراف بإسرائيل ونبذ للمقاومة الإرهاب- ونزع سلاحها والالتزام بالمفاوضات السلمية...إلخ
2-وإما ألا تشارك في الحكومة ولا تلتزم بما التزمت به. وهنا ستكون مضطرة للتعامل مع الحكومة كأمر واقع وأن تستجيب لما تمليه عليها من سحب لسلاح المقاومة إلى الإقرار بالمقاومة السلمية منزوعة السلاح.. إلخ.
3-وإما أن ترفض المشاركة في الحكومة أو الاستجابة لقراراتها، وهنا ستتوقف المصالحة وتتعطل وستعود الأمور لما كانت عليه قبل المصالحة التي تم الاتفاق عليها تحت إشراف المخابرات المصرية، وهكذا ستتأزم الأمور لحد من المرجح أن يزيد التوترات والتي ستؤدي  لحرب صهيونية على غزة، حرب ربما تشارك فيها أطراف عربية علنًا كمصر مثلًا، وذلك بذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على التمرد في غزة وإنقاذ أهلها من الوضع المأساوي الذي يعانون منه بسبب تمرد حماس وإرهابها الذي تمارسه.

وعلى ما سبق فإن كل الخيارات صعبة وتحتاج لمرونة لتجاوز المرحلة حتى يأذن الله بفرج من عنده.

وهنا يأتي دور الأمة التكاملي مع أهلهم في فلسطين عمومًا وغزة خصوصًا، فواجب الأمة الآن والمطلوب من قادة الجهاد وأنصاره ومحبيه.
أولًا: العمل على تشكيل فصيل إسلامي وسطي المنهج بعيدًا عن الغلو أو الإرجاء، وألا يدخل هذا الفصيل في أي اتفاقيات دولية أو إقليمية أو محلية، وأن يعتمد على  نشر الوعي وضرب الاحتلال الصهيوني في قلب مدنه وأمنه ومأمنه، وألا يكون له أي نشاط عسكري في غزة بسبب الضغوطات التي تعاني منها حاليًا. (سأكتب دوافع وضرورة تشكيل هذا الفصيل في مقال مستقل بعنوان: لماذا باتت الثورة الفلسطينية بحاجة لحركة إسلامية ثوريّة).
 ثانيًا:  توفير الدعم اللازم لكل تجمع ثوري يسعى لضرب الاحتلال الصهيوني بعيدًا عن غزة، وذلك بعد التأني والتحري والقيام بكل الإجراءات اللازمة لذلك، فبهذه الطريقة ستتوسع دائرة المقاومة وسيصبح ضرب قلب مدن الاحتلال الصهيوني ممكن من مجموعات صغيرة منفصلة عن بعضها البعض، وغير مرتبطة بأي اتفاقيات دولية أو إقليمية لتكون غير مقيّدة كحال فصائل المقاومة الفلسطينية اليوم.
ثالثا: العمل على ملاحقة العدو الصهيوني في كل نقطة في العالم يستمد منها قوته، سواء القوة المادية أو العسكرية أو الإعلامية أو المعنوية،  وسواء كانت تلك النقطة مؤسسة أو شركة، على كل الأحوال فإن توسيع دائرة وملاحقة أذرع الاحتلال الصهيوني التي ترصد له وتغتال وتجمع له التبرعات وتُرغِّب الناس في الهجرة إليه فإن كل هؤلاء جزء أساسي من الاحتلال بغض النظر عن البلد الذي يقيمون فيه، فإن من السذاجة أن نعتبر المشروع الصهيوني الاحتلالي هو فقط متمثل بالجندي الذي يركب الدبابة ويتمركز على حدود فلسطين أو المستوطن الصهيوني الذي استقر في القدس أو تل أبيب أو في مستوطنات الضفة وغيرها، بل الاحتلال هو جسم خبيث ممتد على مستوى العالم ينصر بعضه بعضًا ويكمّل بعضه في إحكام السيطرة على بلادنا الحبيبة فلسطين، فهو يعمل بقيادة واحدة ولأهداف موحدة، أهمها احتلال فلسطين والسيطرة على مقدساتها ونهب ثرواتها والتمركز في قلب الأمة الإسلامية ومصدر حيويتها.

هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

كتبه: الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
أبو عبد الله
فلسطين . غزة
20-10-2017م



إرسال تعليق

 
Top