لماذا
وقّعت حماس على اتفاق القاهرة بهذه السرعة ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال أرى أنه من العدل
والإنصاف أن أتحدث عن دور حركة حماس البطولي في مقاومة الاحتلال الصهيوني، حيث
كانت ولازالت هي الصخرة التي تحطمت عليها كل المؤامرات المعاصرة التي كانت ولازالت
تُحاك للنيل من قضيتنا الفلسطينية العادلة، حيث كانت تعمل حماس ليل نهار، على متابعة
وتتبع التصريحات والنشاطات والاجتماعات...إلخ، التي تُعنى بالقضية الفلسطينية،
وكانت ولازالت تكشف للعامة والخاصة
الأنشطة التي تمكر للقضية الفلسطينية، وكانت ولازالت تعمل على التوعية المحلية
والإقليمية بل والدولية أيضًا من أجل فضح تلك المخططات وإجهاضها، كما أن كثيرًا من
قياداتها وجنودها بذلوا الغالي والرخيص من النفس والمال دفاعًا عن قضيتنا الفلسطينية
العادلة، كيف لا وهي التي خاضت الصعاب والمخاطر من أجل الحفاظ على القضية
وثوابتها، وهي الحركة التي دكّت قلب المدن الصهيونية بالاستشهاديين ثم بالصواريخ
فحولت أمنهم رعبًا وأحلامهم كوابيس تطاردهم في كل حين ومكان.
وهنا أَذكُر وأُذُكّر بأن شعبنا الفلسطيني البطل
كان سندًا وعونًا بل وأساسًا لحماس في الدعم المعنوي والمادي في دفاعها عن قضيتنا
الفلسطينية العادلة.
ومن
باب إنصاف شعبنا البطل من حماس، فإنني أذكر أن حماس وللأسف آذته بشيء من الظلم
والاستبداد المعنوي والمادي والاجتماعي، وزادت تلك المظالم بعد إدارتها لقطاع غزة
بعد سيطرتها عليه عام 2007 م ، وهنا أطالب الإخوة في حركة حماس أن ينتبهوا لما سبق
ذكره وأن ينتهوا عما ثبت من تجاوزات بحق الأهالي.
وكذلك وإنصافًا للمقاومة ورجالها عمومًا، فإنني
أذكر أن حماس وقعت في أخطاء كثيرة أثناء إدارتها للمقاومة الفلسطينية وخط ورسم برامجها، وإن كانت هذه
الأخطاء غير مقصودة ولكنها أضرّت بالمقاومة على المدى القريب والمتوسط .
أما
عن أسباب و دوافع استجابة حماس السريعة لدعوة المخابرات المصرية وقبولها للتنازل
وخفض الجناح لحركة فتح من أجل إنجاح المصالحة الفلسطينية والتي تشرف عليها المخابرات
المصرية مباشرة وتتابعها خطوة بخطوة، وبالرغم من حساسية الموقف بين حماس
والمخابرات المصرية من جهة وبين حماس وفتح من جهة أخرى إلا أنها بادرت بالنزول عن
السلم درجة من أجل إثبات حسن نواياها تجاه المصالحة وأنها جادة في إنجاحها، حين قامت
بوضع قرار حل اللجنة الإدارية تحت تصرف المخابرات المصرية، حيث أن حركة فتح كانت
ترى أنه لا يمكن أن تتم المصالحة إلا بعد حل اللجنة الإدارية والتي شكلتها حماس
لإدارة قطاع غزة، ثم وبعد حل اللجنة صرحت حماس مرارًا وتكرارًا أنها لن تكون
عائقًا في وجه المصالحة وأنها ستقدم كل ما يلزم من تسهيلات لإتمام المصالحة في
أسرع وقت وأيسر حال، وما دفع حماس لهذه المرونة هو ما تردي الأحوال في قطاع غزة،
حيث أن أوضاع الأهالي النفسية والمعنوية والمادية أصبحت تتراجع من سيء إلى أسوأ،
وذلك بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال الصهيوني من خلال عملائه السيسي وعباس
وعصابتهما، وغيرهما من صهاينة العرب.
لم
يكن يخفى على أحد أنه وبسبب الحصار المفروض على غزة، بات جل الأهالي بالكاد يجدون
قوت يومهم أو يوفرون العلاج لمرضاهم هذا مع
انقطاع التيار الكهربائي طوال اليوم إلا أربع ساعات والتي لا تكفي لسد عشر معشار
حاجات الأهالي، إضافة إلى الازدحام السكاني والذي باتت تعاني منه جل البيوت ولك أن
تتصور الحال عندما يكبر الشباب والفتيات وهم في نفس البيت ولا يملك رب الأسرة
توفير غرفة للفصل بينهم ، وهذا حصل بسبب الحصار وقلة بل انعدام فرص العمل، حتى
بتنا نرى عائلات تفترش الأرصفة والأماكن العامة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل
جنوني، مع تكدّس أعداد الخريجين حتى أصحاب التقديرات العالية والممتازة منهم، كما
انتشرت البطالة حتى وصل الحال ببعض الرجال أن يطلقوا زوجاتهم بسبب عجزهم عن توفير
المسكن أو المأكل والمشرب، كل ما سبق وغيره من الأزمات والصعوبات والتعقيدات
الاجتماعية، إضافة إلى تغير الوضع الدولي والإقليمي لغير صالح حماس، وهذا واضح من
تراجع تركيا وقطر عن توفير الدعم المعنوي والمادي لها، هذا الدعم الذي كان يشد عضد
حماس من حين لآخر، ومَثّلَ لها حبل النجاة في كثير من الأزمات، ولذا وصلت حماس
فعليًا لدرجة أعجزتها عن التحدي والمجابهة والصمود في وجه أي حرب عنيفة شاملة.
أدت هذه
الأزمات مع التعقيدات المعيشية للضغط
المتواصل على حماس وإثقال كاهلها عن توفير لوازم حياة الأهالي، ما أدى بدوره لتذَّمر
أهالي غزة وإحباطهم من الأمل بأي فرجة سياسية قريبة، حتى بات كثير منهم يبحثون عن
الهجرة خارج غزة هربًا من واقعها، وهذا شكّل ضغطًا قويًا ومباشرًا على حماس، ما أدى
لاندفاعها تجاه المصالحة مع فتح لإنهاء الوضع القائم والخروج من المأزق السياسي
والاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به.
أما من الناحية العسكرية والسياسية فلقد أدى
تصعيد أمريكا ضد حماس وتهديدات الاحتلال الصهيوني المتكررة بشن حرب عنيفة ضد غزة وكان هذا متزامنًا
مع تهديدات السيسي وتشديدات عباس على غزة وقيامه بإجراءات عقابية زادت الطين بلة،
وكان من هذه العقوبات منع الأدوية وتحويلات العلاج للخارج، حتى بات المرضى يموتون
على أسرتهم في المستشفيات والبيوت، وهذا ما صرحت به وزارة الصحة الفلسطينية في غزة على لسان ناطقها الرسمي أشرف القدرة حين أعلنت عن
وفاة الرضيعة دنيا سامح دغمش بعد انتظار 6 أيام لتحويلها للعلاج بالخارج، حيث قال: وبذلك يرتفع عدد
المرضى الذين توفوا منذ مطلع العام الجاري إلى 24 مريضًا ، حيث منعوا من الحصول
على تحويلات طبية، كما أكد أن قطاع غزة أمام مشهد قاسي جدًا نظرًا للسياسات
المعلنة من الاحتلال والسلطة بمنع مرضى غزة من السفر للعلاج في الخارج، وقال: إن هناك
حوالي 3000 – 4000 مريض بحاجة ماسة للعلاج في الخارج، واستمرار منعهم من السفر
يعني أن كل لحظة سنفقد طفل أو مريض جديد، وكان ذلك في شهر أغسطس من العام الجاري.
وكما قامت سلطة عباس أيضًا بتقليص رواتب
الموظفين، ما أدى لاستنزاف اقتصاد قطاع غزة المعدوم أصلًا، فبات الوضع الاقتصادي
في حالة العدم والموت الفعلي، كما صرح بذلك محمد أبو جيّاب، رئيس المنتدى
الاقتصادي حيث قال: اقتطاع الرواتب سيؤثر سلبًا على كافة القطاعات الاقتصادية
والاجتماعية في قطاع غزة، وأضاف على الصعيد الاجتماعي والإنساني ستزداد الأزمات
المتعلقة بالسيولة النقدية.
كل هذه الأزمات المفتعلة لابتزاز حماس وغيرها من
الضغوطات، دفعت حماس لخوض هذه المناورة
تحت ظل وعباءة المصالحة الفلسطينية إلى حين ميسرة، فلا أظن أن حماس ستسلم أمرها
ومقاومتها للسيسي ومخابراته وعباس وعصابته بعد سجلهم الحافل بالعمالة والخيانة
والعداء للأمة وكيانها، ولكن في حال رضيت حماس بالقعود ورضخت وتثاقلت عن مواصلة
المقاومة، فحتمًا سيكون الاستبدال الرباني الذي وعدنا الله به.
كتبه:
الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير
محمد تربان
فلسطين
. غزة
إرسال تعليق