GuidePedia

0
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد
لماذا باتت الثورة الفلسطينية بحاجة لحركة إسلامية ثوريّة ؟

توطئة
قرر الله تعالى في كتابه العزيز أن نصره يَتَنَزَّل على المسلمين حين ينصرونه، وذلك بِنُصْرَةِ دينه ونبيه واتباعه والانقياد إليه، حيث قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
فلابد أن تكون الأسس والمنطلقات للعمل نابعة من عقيدة الإسلام ومقيَّدة بقيوده، دون إفراط أو تفريط، وعلى هذا الأساس يجب التعامل مع الآخرين، فلا يصح أن نداهن الكافرين المحاربين للإسلام وأهله بدعوى تحصيل بعض المساهمات المادية، فالعقيدة والدماء أهم وأغلى من الماديات والمجاملات، وكما تقرر في القرآن والسنة فإن الله لن ينصر المسلمين ما لم ينصروه ويقوموا على أوامره، ولذا فإن مداهنة الكافرين على حساب المسلمين من أسباب الخذلان الرباني الذي يؤدي إلى التقهقر الميداني.
وعلى هذا، فإن ثورتنا الفلسطينية المباركة بحاجة ماسة لحركة إسلامية يكون منطلقها الوحيد هو الإسلام عقيدة وفكرًا، فَتُوَالِي المسلمين بالرغم من ضعفهم و تتبرأ من الكافرين بالرغم من قوتهم. لأن العِزّة والقُوّة لله جميعًا، وهو حسبنا ونعم الوكيل والنصير.
نعم نحن بحاجة إلى حركة إسلامية تتعامل مع الحركات والأحزاب الأخرى ومع  الأهالي من منطلقات وتعليمات شرعية لا من منطلقات حزبيَّة ضيِّقة.
 حركة يكون أولى أولوياتها نصرة الإسلام وقضايا المسلمين والعمل على التواصل والتوحد مع كل الجماعات الإسلامية، لأن الإسلام وقضايا المسلمين بحاجة لجهود الجميع، كما يجب أن يكون التناصر قائم على الجهاد في سبيل الله قولًا وعملًا، مع السعي الحثيث على نشر المحبة والألفة بين المسلمين ورص صفوفهم، فإن تعسّر رص الصفوف في جماعة واحدة، فلا أقل من العمل على توحيد جهود الجماعات على الأهداف الكبرى، والتي بات المسلمون بحاجة ماسة لتحقيقها، كطرد الغزاة والتخلص من الطغاة وإقامة شرع الله تعالى.
حركة لا تعتبر الإسلام حكرًا عليها وأنها هي وحدها من يمثله، بل حركة ترى أنها واحدة من تلك الحركات الإسلامية المجاهدة في سبيل الله.
حركة تعتقد أن نصرة الإسلام وقضايا المسلمين واجب شرعي وتكليف عام لا يصح لأحد أن يتركه.
حركة يكون شعارها قولًا وعملًا: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ".

أولًا: لمحة عن مقاومة شعبنا الفلسطيني البطل في مقاومة المحتل
منذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين وشعبنا المجاهد يقاومه بكل صمود وتحدي، حتى إنه كاد أن يدحره من كثير من المناطق المهمة لولا تكالب العالم ودعمه ومناصرته للاحتلال وخيانة حكام العرب والذين باعوا فلسطين لبريطانيا ثم لإسرائيل بثمن بخس.
فلقد شهد تاريخ فلسطين المعاصر عشرات الثورات ضد الاحتلال والتي قدم من خلالها أبناء شعبنا العظيم أروع صور البطولة والتضحية والفداء.
 فكان الحراك الثوري ولازال كلما هدأ قليلًا اشتعل من جديد أقوى من ذي قبل، حتى أن الاحتلال لم يهنأ متنعمًا بالأمن والأمان بحقبة زمنية متواصلة مهما قصرت مدتها.
ولازال شعبنا البطل يقاوم المحتل حتى اللحظة، وسيظل كذلك حتى يقضي عليه أو يدحره ذليلًا مهزومًا، بإذن الله.

ثانيًا: إلزام الفصائل نفسها باتفاقيات قَيَّدتها وحَجَّمت قدراتها
بالرغم من كل المؤامرات التي تُحاك ضد شعبنا وقضيته العادلة، إلّا أنه لايزال صامدًا كالجبل الأشم في وجه الاحتلال وأعوانه وعملائه ومقاومًا لهم بكل عزيمة وثبات.
 ولكن دخول الحركات الفلسطينية في دهاليز النظام العالمي وسياساته القائمة على نصرة ودعم الاحتلال الصهيوني  بأسلوب صريح أحيانًا ومُمَوَّه أحيانًا أخرى، جعل هذه الحركات كالأيتام على موائد اللئام يرون ويسمعون جل ما يدور حولهم، إلا إنهم عاجزون عن انتزاع أي انجاز من بين أنياب مجرمي الصهيوصليبة، وذلك بسبب الاتفاقيات التي قيَّدت الحركات الفلسطينية نفسها بها مع مرور الوقت وكثرة الحوارات والتفاهمات مع الدول الإقليمية تارة و الدولية تارة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك فروق واختلافات بين اتفاقيات كل من الحركات مع الدول ونتائجها، إلّا أنها كلها تؤدي لتحجيم المقاومة وحصرها بل ومحاصرتها، ولذا أصبحت المقاومة محاصَرة مقيَّدة بهذه الاتفاقيات والمعاهدات.
 لذا وجب النهوض والتجديد الثوري وإنشاء حركة إسلامية جهادية بعيدة عن كل هذه الاتفاقيات، وغير ملتزمة بأي منها، لتتمكن من ضرب الاحتلال الصهيوني في كل مكان وبكل حرية وحيوية دون قيد أو شرط من أي دولة أو أحد.
وهذا من الدوافع التي تُلزمنا بالتجديد لكي نتخلص من الجمود الثوري الذي باتت ثورتنا الفلسطينية المباركة تعاني منه،  ولكي تتمتع ثورتنا بالحيوية والمرونة التي لن تنتصر إلا بهما، بعد توفيق الله ومشيئته.

ثالثًا: حاجة الثورة لقيادة ربانية على قدر المسئولية، أمينة على الثوار واحتياجاتهم
بالرغم من ترسانة الاحتلال العسكرية وقوته السياسية ونفوذه العالمية، إلا أن أبناء فلسطين ومعهم المخلصين من الأمة لم يكلِّوا أو يملِّوا من مقاومته والصبر على ضريبة ذلك، ولكنهم لم يحظو وينعموا بقيادة ربانية تقودهم بشكل موحَّد على شريعة الله، وبحنكة ودهاء إلى حيث استنزاف الاحتلال ودحره وتحرير فلسطين منه، وليت الأمر توقف على العجز في الاستثمار الميداني والسياسي لتضحيات الثوار وجهودهم.
 بل تجاوز الأمر ذلك، حيث طال الثوار الضرُّ والأذى في أنفسهم و حياتهم ومعاشهم بسبب ظلم واستبداد وتجاوزات هذه القيادات التي لا تعتني إلا بالمقربين منها، حتى أصبح السعيد من الثوار من كان قريبًا من صاحب نفوذ في التنظيم لكي يُؤَمّنُ له احتياجاته من مصروف له ولمن يعيلهم،  أو ليوفر له ما يلزمه من علاج إن أُصيب، نعم حتى الجرحى يعانون من عدم الاعتناء بهم وتوفير لوازم العلاج اللازم لهم أو المال الذي يستعينون به  لتوفير علاجهم، حتى فقد الكثير من جرحى الثورة كثيرًا من صحتهم وعافيتهم بسبب استهتار قيادة المقاومة بهم وعدم اهتمامهم بظروفهم الصحية.
 أما من لم يكن له أحد من أصحاب النفوذ ليهتم به أو لم يكن له أحد من معارفه القريبين من أصحاب القرار والنفوذ ليطالبوا له بحقه ويجلبونه له بالطرق التنظيمية المنظمة أو غيرها أو حتى بالقوة كما يحدث كثيرًا، فلقد أصبح هذا المجاهد المغلوب على أمره طوافًا على المكاتب الخيرية والجمعيات ليوفر قوت يومه أو علاج إصابته، وهذه المأساة وللأسف ملازمة لثورتنا منذ عقود ولازالت إلى يومنا هذا، بل في أيامنا هذه أسوأ من سابقاتها خصوصًا في حركات المقاومة.
 ولقد تسبب هذا الاستهتار بل والتجارة بدماء الثوار وتضحياتهم بإحباط كثير من الثوار المخلصين وأصحاب الخبرات العالية والقدرات النادرة، وذلك لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم و كأنهم سلع للتجارة والمساومة في يد كثير من القيادات الانتهازية والابتزازية.
 أقول هذا عن علم يقيني مؤكد وأنا أعرف كثيرًا من الحالات التي استفادت منها المقاومة على أعلى المستويات وبأكبر وأدق الانجازات وبشتى أصناف وأساليب وتنوع طرق وأسلحة المقاومة.
وأحسن الحركات حالًا هي تلك التي كانت تهتم أحيانًا ببعض من أُصيبوا أثناء جهادهم وإقدامهم ومقاومتهم للاحتلال، ولكن اهتمامها كان لا يتعدى الاهتمام بأبناء حركتها فقط، ولذا كان كل مقاوم خارج هذه الحركات والفصائل لا يلتفت له أحد أو يجلب له حقوقه إلا في حالات نادرة جدًا لا تكاد تُذكر.
 ولذا يفضِّل المريدون للمقاومة العمل من خلال هذه الحركات التي يجد عندها بعضًا من الاهتمام، حتى هذه الحركات وللأسف كانت تتعامل مع المقاتل و كأنه ملكية خاصة بها، فتقوم بابتزازه لأبعد الحدود، أما من بقي خارج هذه الحركات لينجو من استبدادها به وابتزاها له فقد عضَّته الحياة ولوازمها.
 وإن من المؤسف أن نرى أبناء كثير من القيادات يمتازون بعلو مراكزهم ويُسْرِ حياتهم،  حتى أن كثيرًا منهم عاشوا ولايزالون يعيشون حياة الترف والبذج، وما ذاك لإنجازات ثورية قاموا بها، بل لأنهم أبناء القائد الفلاني والذي غالبًا ما يكون وصل لهذا المركز القيادي بتملق فلان ومداهنة علان، وهذا والله قمة الظلم والجور وإنه لمن أكبر أسباب تراجع الثورة وعدم تقدمها قياسًا على التضحيات التي تقدمها.

هذه الأسباب التي سبق ذكرها والتي من أهمها، السبب الشرعي وعدم الاهتمام بالمجاهدين واستغلالهم، جعلا كثيرًا من الشباب ينفرون من الحركات الموجودة، ولكنهم عاجزون عن تشكيل غيرها بسبب القبضة الحديدية والإسقاطات الأمنية التي تستخدمها تلك الحركات لكي تبقى هي المسيطر على الوضع العام وبحسب ما يتماشى مع أفكارها وقناعاتها ومصالحها.

لذا وجب إنشاء حركة إسلامية بعيدة عن الغلو و الإرجاء، لتستوعب هذه الأعداد الكبيرة من المخلصين من أصحاب الخبرات و المخضرمين والصادقين، فإن خسارتهم هي خسارة للكل الثوري الإسلامي الفلسطيني بل خسارة للكل الثوري الإسلامي في العالم.


الخاتمة
أؤكد للجميع  أن الجهاد فرض عين على كل مقتدر، وأنه لا يجوز لأي أحد أن يجلس مكتوف الأيدي والاحتلال قد أفسد الدين ونهب الأرض، وكذلك لا يجوز الركون لقيادات تلك الحركات والذين باتوا يقيدون كل شيء ويكيفونه على حسب قناعاتهم وأهوائهم أومصالحهم، والذين يتعاملون مع الثوار بأسلوب قمعي ابتزازي، فيرفعون لهم شعار: إما أن تخضع لنا وتسمع وتطيع في كل شيء مهما كان الأمر وكانت الظروف أو سنحرمك حتى من علاجك ولقمة عيش أبنائك، وهذا للأسف موجود ومنتشر بكثرة جدًا عندنا في حركات المقاومة الفلسطينية، ولوكان الموضع غير هذا لذكرت بالأسماء الموثقة كثيرًا من القصص التي حدثت ولازالت تحدث.
وعلى هذا فإنني أدعو جميع المخلصين للتحرك من أجل إنشاء حركة إسلامية وسطية المنهج تشارك الأمة في التحرر من الغزاة والطغاة في كل مكان، وتشارك في إقامة دولة الإسلام لتعلو شريعة الرحمن ويسود العدل، وكذلك لتكون لبنة من لبنات الخلافة الإسلامية القادمة.

أخيرًا
 أنصح الإخوة في فلسطين ألّا يتركوا الجهاد فيها ويسافروا ليقاتلوا في غيرها، فإن فلسطين اليوم بأمس الحاجة لأبناء المسلمين عمومًا وأبنائها خصوصًا، ولذا فإنه لا يصح لمجاهد أن يترك ميدانه الأقرب ليسافر لميادين جهادية أخرى، فالأقربون أولى بالمعروف كما تقرر في الشريعة الإسلامية.
ولذا أخي الحبيب، لا تترك ميدانك الأقرب وتسافر لغيره، إلّا في حالات خاصة كأن تسافر لتُعلِّم  غيرك من إخوانك المجاهدين في الدول الأخرى أو لتتعلَّم منهم، أو لتنسِّق بعض الأمور لصالح الإسلام وأهله، وهذا الأمر لا يستدعي أن يسافر المجاهدون خارج البلاد بكثرة بل بأعداد محدودة جدًا جدًا لا تَكاد تُذكر. والله الموفق

والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق

كتبه: الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان "أبو عبد الله"
فلسطين . غزة
21-11-2017م



إرسال تعليق

 
Top