الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
وبعد
لقد
بات ذم السياسة والسياسيين أمرًا شائعًا حتى بين المسلمين وخصوصًا طلاب العلم الشرعي
والدعاة إلى الله، وهذا أمر خطير وخطب جلل.
فما
قام ولا نشط أعداء الإسلام لتشويه مفهوم كما قاموا ونشطوا لتشويه الفهم العام لمصطلح
السياسة، فخلطوا السياسة الشرعية بالسياسة اللادينية، ونسبوا للإسلام ما ليس فيه وأدخلوا
فيه ما ليس منه، ما أدى إلى نفور المسلمين من مصطلح السياسة بشكل عام، حتى بتنا نسمع
من كثير من المسلمين المطالبة بفصل الدين عن السياسة! - وهذه هي العلمانية بعينها
- وأنا هنا لا أنكر أن بعض الإسلاميين أساؤوا استعمال السياسة بطريقة ساهمت في خلط
هذا المفهوم وزيادة نفور عامة المسلمين من السياسة، حتى الشرعية منها.
ولذا
وجب التوضيح، من باب الأمانة العلمية، قال تعالى: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا
الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه".
فأقول
مستعينًا بالله:
تعريف مختصر لكلمة السياسة
أولًا:
السياسة كمصطلح عام، هي الاهتمام بشؤون الناس.
وهذه
هي السياسة المذمومة التي راج بين الناس عمومًا والسياسيين خصوصًا، أن السياسي الأكثر
خداعًا ومراوغة هو الأكثر ذكاءً وإنجازًا، حتى لو كان هذا السياسي معتمدًا على الكذب
في كل أحواله.
ثانيًا:
السياسة الشرعية، هي الاهتمام بشؤون الناس وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.
من هو المكلف بسياسة الناس ؟ وكيف ؟
الأصل
في سياسة المسلمين أن يقوم عليها الحاكم ووزراؤه ولكن حال تعذر ذلك فوجب على العلماء
القيام بذلك فإن قصَّروا انطبق عليهم قول الله تعالى:" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا
التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ". ففي الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كانت بنو
إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون"،
قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا ؟ قال: "أوفوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم،
واسألوا الله الذي لكم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم". متفق عليه.
هذا
الحديث شامل لكل الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن
وبعد وفاة رسولنا عليه الصلاة والسلام، أصبح المُكَلَّف بذلك هم خلفاؤه، ومعلوم أن
الخلفاء يرتكزون ويعتمدون على وزرائهم ومجلس الشورى والذي هو مكوَّن من أهل العلم الشرعي
وأهل الدراية بشؤون الناس وأحوالهم.
أما
في أيامنا العصيبة هذه وفي ظل غياب الدولة الإسلامية فإن المكلف بالقيام على أمور المسلمين
وجهادهم لأعدائهم؛ هم العلماء الربانيون وأهل الخبرة والدراية، ومن قصَّر في ذلك منهم
فهو آثم، وكلما زاد علمه ودرايته زاد إثمه.
وعلى
هذا؛ فإن المقصِّرين في تأدية الأمانة والعمل بالعلم الذي علمهم الله إياه وفضّلهم
به على الناس، فإن قول الله تعالى ينطبق عليهم، وحالهم كحال عالم بني إسرائيل والذي
قال الله تعالى فيه: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا
فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ ". وإن كان سبب نزول الآيات خاص، إلا أن العبرة كما هو متفق عليه
بين العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولذا فإنهم جميعًا تشملهم الآية.
الخلاصة:
أن السياسة الشرعية هي الاهتمام بشؤون المسلمين و إدارة أمورهم العامة والخاصة، بما
لا يخالف شرع الله، وهذا واجب على الحاكم المسلم ووزرائه، فإن لم يكن ثمة حاكم مسلم
يقوم على أمر الله، فوجب على العلماء القيام بذلك وإلا كانوا آثمين مقصرين في حق الله
تعالى.
وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه/
الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
أبو
عبدالله
فلسطين
، غزة
الخميس
15-12-2016م
إرسال تعليق