البيان؛ في التعامل مع الصبيان في بيوت الرحمن
الحمد لله
وحده والصلاة والسلام على من لا بني بعده
وبعد:
قال
تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول
عن رعيته، الأمير الذي على الناس راع، والرجل على أهل بيته راع، وهو مسئول عنهم،
وامرأة الرجل راعية على بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال
سيده وهو مسئول عنه، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" .
وبعد:
توطئة
تربية
الأبناء أمانة في أعناق الآباء والأمهات وكل ولي أمر ولهذا وجب عليهم أن يدفعوا
أبناءهم ويحرضونهم على كل طريق يوصلهم إلى البر والتقوى، ويبعدونهم وينفروهم عن كل
طريق يوصلهم إلى الغواية والضلال.
ومن هذه
الأماكن الذي يجب على الآباء اصطحاب الأبناء إليها وتحريضهم على ارتيادها في كل
وقت وحين "المساجد ودور العلم الشرعي وحلقاته وأماكن البر ونشر الخير.....".
ولكن
المؤسف والمؤلم في هذا الطريق أننا نجد بعض المسلمين الأخيار - المريدين لعبادتهم أكملها
ولطاعتهم أصوبها وأتمها- لا يقبلون هذا فتراهم يزجرون الأطفال ويغلظون لهم القول
ويرفعون عليهم الصوت، بل وأحيانًا يضربونهم ويؤذونهم، وهذا الفعل وإن كان صاحبه
مريدًا للخير إلا أنه يؤثّر سلبًا على الأطفال وينفرهم عن المساجد ودور العلم
وأفعال الخير، وكم من مريد للخير لا يبلغه.
وهذه
التصرفات المشينة ضد الأطفال في المساجد وأماكن العلم و البر والتقى، والمنفرّة عن
الإسلام وأبواب الخير، هي تصرفات مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
والذي هو خير الهدي كما ثبت في القرآن والسنة.
فهذا التأثير السلبي على الأبناء سيؤثر سلبًا على
الأمة الإسلامية كلها ومستقبلها والذي يتعلق ويرتبط بهذه الأجيال الصاعدة ارتباطًا
كليًا وثيقًا.
فأطفال
اليوم هم جنود وقادة الغد، وذا لابد أن نعتني بهم منذ يومهم الأول ولابد أن نربيهم
على الهدى والتقى، وأن نصحبهم إلى المساجد ودور العلم الشرعي وحلقه وأماكن البر
ونشر الخير.. إلخ.
وهذا ما
كان يأمر به بل ويفعله بنفسه النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال أو كان يقرهم
وآبائهم عليه.
ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ
بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ
أَبْنَاءُ عَشْرٍ...". رواه أبو داود وغيره.
ومعلوم أن من كان مأمورًا بالصلاة فهو مأمور أن يُصليها في المسجد مثل
الرجال لعموم الأدلة أيضًا، وعلى هذا فإن له الحق في تقدم الصفوف مثل الرجل فإذا دخل
الصبية المسجد مبكرين وجلسوا في الصف الأول فلا يجوز إرجاعهم.
جواز حمل الأطفال في الصلاة
فهذا
سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدخل المسجد وهو يحمل أمامة بنت أبي العاص وهي
بنت ابنته، بل وقد ثبت أنه صلّى بالناس إمامًا وهو يحملها على عاتقه أثناء الصلاة،
فكان يضعها حين يركع ويسجد ويحملها عندما يقوم، وهذا دليل على ما هو أبعد مما
نتحدث حوله من اصطحاب الصبيان إلى المساجد وغيرها لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم
يصطحب بنت ابنته إلى المسجد فقط، بل حملها وهو يؤم الناس في صلاته، وفي تقديري لو
أن أحدًا فعل هذا اليوم لقال عنه كثير من المسلمين بحسن نية وطيب طوية: لقد أفسد
صلاته وصلاة الناس، ولم يعلموا أن هذا درس تربوي عملي فعله النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ولكننا اليوم هجرناه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فعن عمرو بن سليم الزرقي رضي الله عنه، عن أبي قتادة الأنصاري رضي
الله عنه، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي
العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها،
وإذا رفع من السجود أعادها". رواه مسلم وغيره
فإذا تبين
لك هذا فعليك أن تلتزم به أخي المسلم أو أن تسكت عمن يفعله بل وتمدحه وتشجّعه على
ذلك، وكذلك عليك ألا تلتفت أو تسمع لمن ينهى عنه ويذمه بسبب جهله أو قصر نَفَسِه
وقلة صبره على التربية ومشاقّها، فهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلى
قلوبنا وأصوب وأسلم مما تستهويه نفوسنا.
ولقد بوَّب
النووي رحمه الله للحديث السابق في
"صحيح مسلم" بقوله: (باب جواز حمل الصبيان في الصلاة ) وقال في شرحه
للحديث:
"الحديث
يدل على جواز حمل الصبي والصبية وغيرها مِن الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة
النفل ويجوز للإمام والمأموم والمنفرد" قال: "وهذا مذهب الشافعي".
وهذا ما ذكره ابن حجر رحمه الله، وهو يعدد
فوائد من الحديث وذكر منها "جواز إدخال الصبيان للمساجد".
وكذلك قال الشوكاني رحمه الله: ومن فوائد
الحديث: "جواز إدخال الصبيان المساجد.. ".
أما من يستدل على منعنا من ذلك بقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه " إن في الصلاة لشغلًا"
فإننا نرد عليه بقول الأئمة أن هذا الحديث كان بعد غزوة بدر؛ أي أنه بعده قطعًاً.
قال العلامة ابن دقيق العيد رحمه الله
تعالى، بعد أن ذكر قول مَن قالوا بالنسخ: "وقد رُدّ هذا بأنّ قوله صلى الله
عليه وآله وسلم "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلاً" كان قبل بدر عند قدوم
عبد الله بن مسعود_ رضي الله عنه_ مِن الحبشة، فإنّ قدوم زينب وابنتها -أمامة- إلى
المدينة كان بعد ذلك".
الصبر على لعب الأطفال في الصلاة
وعدم زجرهم
ومن هذا أيضًاً ما رواه عبد الله بن شداد
عن أبيه رضي الله عنهما قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إحدى صلاتي العشي ، الظهر - أو العصر - وهو حامل الحسن - أو الحسين - فتقدم
النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته،
سجدة أطالها فقال: إني رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة،
قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك، هذه سجدة قد أطلتها، فظننا
أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: فكل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني، فكرهت
أن أعجله حتى يقضي حاجته ". رواه أحمد والنسائي
و هنا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل
المسجد وهو يحمل ابن بنته رضي الله عنهما، ثم تَرَكه بجواره ودخل في صلاته ليؤم
الناس، ومن المعلوم أن الطفل في الغالب سيلعب
ويلهو هنا وهناك.
وليت ابن بنت النبي عليه الصلاة والسلام اكتفى
باللعب فقط، بل إنه ركب على ظهره مرتحلًا إياه بمجرد سجوده، والذي من رحمته ولطفه
بأمته لم يحرك ساكنًاً ولم يُنَزِّل ابن بنته عن ظهره بالرغم من أنه في الصلاة و يؤم الناس، بل أطال في سجوده حتى ظن الناس أن أمرًا
ما قد طرأ على النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الأمر لم يكن كذلك إنما كان بسبب
ارتحال ابن بنته له في الصلاة، ولم يرد عليه السلام أن يقطع عليه لعبه.
نزول الخطيب عن المنبر أثناء
الخطبة وحمل الطفل والصعود به ثانية
وهذا حديث
آخر يرويه لنا عبد الله بن بريدة رضي الله عنه حيث قال: سمعت أبا بريدة رضي الله
عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا، فجاء الحسن، والحسين عليهما
قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر،
فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله ورسوله: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"
نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما". رواه
أحمد والنسائي وغيرهما
فهذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يترك الخطبة وينزل عن المنبر، والناس ينظرون وينتظرون
ويحمل ابني بنته رضي الله عنهم ثم يصعد بهما المنبر ويضعهما بين يديه ويكمل خطبته.
ومعلوم أن
الصبي الذي يمشي ويعثر لم يتجاوز بعد من عمره الثلاث سنوات سواء كان يعثر من طول
ثيابه أو ضعف جسمه وبنيته لصغر سنه.
كما أن من
سنته صلى الله عليه وسلم التقصير في الصلاة والتعجيل فيها عند سماع بكاء الصبي
رحمة به ومراعاة لشعور أمه وهذا ما ثبت في الصحيح من فعله عليه الصلاة والسلام،
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأدخل
في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من
بكائه ". رواه البخاري ومسلم
وعنه رضي
الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه
وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة " رواه مسلم
النساء والصبيان ينامون في المسجد
وكانت النساء والصبيان ينامون في المسجد في عهده
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد تأخر يومًا في خروجه لصلاة العشاء حتى نادى
عليه عمر رضي الله عنه، وهذا دليل على تواجد الصبيان والنساء في المسجد حتى في مثل
هذه الأوقات، كما لا يخفى على عالم بأحوال الناس أن مثل هذه المواقف لا تخلوا من
لعب الصبيان وطوافهم في المسجد وبين الناس.
ففي الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "أعتم النبي صلى
الله عليه وسلم بالعشاء فخرج عمر، فقال: الصلاة، يا رسول الله. رقد النساء والصبيان.
فخرج ورأسه يقطر يقول:" لو لا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بهذه
الصلاة هذه الساعة".
فأين نحن
اليوم من صبر و رفق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم بالصبيان
ولعبهم ونومهم في المساجد.
صيام ولعب الصبيان في المسجد
فعن خالد بن ذكوان، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: أرسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة: "من كان
أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه" فكنا، بعد ذلك
نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة
من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار ".
فإذا كانت
الصحابيات رضي الله عنهن وبإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم يصنعن الألعاب من
العهن لأبنائهن ليلعبوا بها في المسجد من أجل تسليتهم لأجل الحفاظ على الصيام
النافلة كما في الحديث هنا، فإنه و من باب الأولى أن نترك فسحة للأبناء لأن يلعبوا
في المسجد، لكي يشعروا بالقرب منه وليستأنسوا به وليكون عندهم محببًا مرغوبا، وذلك
لأجل الحفاظ عليهم في بيئة صحيحة سليمة تصلحهم، وهم بدورهم سيصلحون الأمة والتي
إصالحها من أوجب الواجبات بعد التوحيد.
ولمن يسأل
هنا، كيف نسمح لهم باللعب وربما يؤدي ذلك لتخريب أو كسر شيء في المسجد ؟
أقول: كسر
شيء في المسجد أخف من كسر نفس الصبي وتنفيره من المسجد، فالشيء الذي يُكسر يتم
إصلاحه أما نفس الصبي فمن الصعب إصلاحها إن تعرضت للضرب أو التوبيخ.
إمامة الغلام للناس في الصلاة
فإن النبي
صلى الله عليه وسلم أقر إمامة عمرو بن سلمة رضي الله عنه للمسلمين في الصلاة وهو
صغير السن لم يتجاوز السادسة أو السابعة من عمره بعد، فلقد روى رضي الله عنه أنه:
لما رجع قومي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إنه قال: "ليؤمكم
أكثركم قراءة للقرآن"، قال: فدعوني فعلموني الركوع والسجود فكنت أصلي بهم
وأنا غلام قال: فقدموني بين أيديهم وأنا ابن سبع سنين أو ست سنين وزاد فيه: فكسوني
قميصًا من معقد البحرين ".
الأمر أوسع مما يظنه بعض الناس
فهذا ابن عباس رضي الله عنه ينزل عن أتانه ويتركها تسير بين صفوف
المصلين والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزجره أو ينهره أو يعاتبه ويراجعه على فعلته
هذه.
فعنه رضي الله عنه قال: "أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد
ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي
الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد ".
رواه مسلم وغيره
فائدة من حديث ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى
أما حديث " ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى" فهو صحيح ولكن
المراد منه هو الأصل أن يأتي أولو الأحلام والنهى مبكرين، ولا يعني أنه متى حضر
أولو الأحلام والنهى فلهم الحق في أن يُرجعوا من شاءوا من الصف الأول وأن يأخذوا
مكانه، ولذا على أولو الأحلام والنهى أن يبكّروا للصلاة وليأخذوا أماكنهم في الصف
الأول خلف الإمام، لا كما نراه اليوم يأتي من هو من أولوا الأحلام والنهى فيرجع واحدا
من الذين يصطفون خلف الإمام ليقف مكانه، فهذا لا يجوز، حتى وإن كان الصّاف خلف
الإمام صغيرًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقيم الرجل الرجل من
مجلسه ثم يجلس فيه ".
المقصود من كلامه صلى الله
عليه وسلم " بـ أولو الأحلام والنهى " أي الذين يقدرون على القيام مقام
الإمام لو طرأ أمر أخرجه من الصلاة أو ليصححوا للإمام ما يخطئ به في صلاته، وليس
العبرة بكبر السن أو علو المكانة في القوم، وكذلك فإنه لا تخصيص في هذا الحديث
لأولوا الأحلام و النهى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا يليني منكم إلا أولوا
الأحلام والنهى.
ولزيادة توضيح ذلك أذكر الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه، والذي فيه "..أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لطعام صنعته فأكل منه فقال: قوموا فلأصل بكم، فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم معي والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين".
والدليل هنا أن اليتيم وقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
واليتيم من توفي والده قبل أن يبلغ، فلو كان هذا المكان لا يصلح شرعًا إلا للرجال الكبار، لما أوقف النبي عليه الصلاة والسلام هذا اليتيم خلفه مع أنس رضي الله عنه.
وفيه دليل على أن الصبي لا يقطع الصف، كما يزعم بعض الناس،
فهو ليس بشجرة، وهذا الحكم عام في صلاة الفرض والنافلة، لأن ما ثبت في
صلاة الفرض فهو ثابت في النافلة، ومن فرق بينهما فعليه بدليل التفريق.
بطلان حديث: جنبوا مساجدكم صبيانكم
ربما يستدل البعض علينا بحديث "جنبوا مساجدكم صبيانكم..".
فأقول: هذا الحديث ضعيف ولا يجوز الاستدلال به مطلقًا، وذلك لأنه:
أولًا: ضعيف بل موضوع ومكذوب
على النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبرنا غير واحد من أهل العلم عن الحديث وطرقه.
ثانيًا: خالفت هذه الجملة "جنبوا مساجدكم صبيانكم" الأحاديث
الصحيحة الصريحة التي أفادت عكس ما يقوله.
و هذا لفظ الحديث كاملًا كما رواه العلاء بن كثير _وهو ضعيف_، عن
مكحول عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة، ومكحول لم يثبت سماعه منهم. قالوا : سمعنا رسول الله يقول: " جنِّبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وخصوماتكم،
ورفع أصواتكم، وسلّ سيوفكم، وإقامة
حدودكم، واجمروها في الجُمَع، واتخذوا على أبواب مساجدكم مطاهر".
قال فيه عبد الحق الإشبيلي لا أصل له، وذكره الشوكاني في "الفوائد
المجموعة في الأحاديث الموضوعة" وقال ابن حجر العسقلاني وابن الجوزي والهيثمي
وغيرهم ضعيف.
أما حديث شهر بن حوشب، حدثنا عبد الرحمن غنمٍ، أن أبا مالك الأشعري جمع قومه، فقال: اجتمعوا واجمعوا نسائكم وأبنائكم أعلمكم صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم، وأراهم كيف يتوضأ، فأحصى الوضوء أماكنه، حتى لما أن فاء الفيء وانكسر الظل قام فأذن، وصف الرجال في أدنى الصف، وصف الولدان خلفهم، وصف النساء خلف الولدان، ثم أقام الصلاة، فتقدم فصلى وذكر قصة الصلاة، ثم قال: إنها صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهو فير صحيح لأن فيه شهر بن حوشب.
الخاتمة
أُذكِّر بأن المسجد من أهم محاضن التربية للأبناء، التربية التي
يرضاها الله تعالى وتصلح بها الأسرة والمجتمع، التربية التي تخرِّج جيل النصر
المنشود والذي لطالما انتظرته الأمة، ليخرج بها إلى بر الأمان من وسط الألغام التي
أحاطت بها من كل جانب وحرقت ودمَّرت الأخضر واليابس، فأفسدت دينها ودنياها.
ولذا لابد أن نحثّ أبناءنا
على الالتزام في المساجد وأن يقوموا على أوامر الله تعالى، كما نحث الآباء أن
يصبروا عليهم وأن يكونوا لهم الصدر الواسع والحضن الدافيء والكف الرحيم، الذي يرفع
معنوياتهم ويدفعهم للأمام حيث العمل والثبات والنجاح. والله ولي التوفيق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
كتبه الراجي مغفرة ربه ورحمته
الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
أبو عبد الله
فلسطين _ غزة
29 – 7 – 2012م
إرسال تعليق