الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله..
وبعد:
تعليق على بيان سابق لحماس، يوضّح الفرق
بين حماس الأمس وحماس اليوم.. تحولات عقائدية وفكرية
وقفات سريعة مع مقتطفات من بيان
لحركة حماس نشرته بتاريخ 5\6\1994، وهو البيان رقم 112 الذي أصدرته الحركة إلى ذلك
الحين.
وقفات سريعة أضع فيها النقاط على
الحروف حول تحولات حماس الفكرية والتكتيكية، والتي تدل على انحرافها انحرافًا كبيرًا عما انطلقت عليه ابتداء، وأن
حماس اليوم ليس هي حماس الأمس.
هذا التحول الذي أخذ حماس تدريجيًا
حتى أصبحت فعليًا جزء لا يتجزأ من سلطة أوسلو ومعظم مخرجاتها، وإن كانت لازالت
تعترض على التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن تبنيها للمقاومة المسلحة لازال قائمًا،
إلا أن خيارالمقاومة المسلحة بات في خطر فعلي بسبب تلك التحولات.
فإن الواضح أن حماس باتت مقتنعة بالالتزام
بالمقاومة المسلحة على حدود ال67، وستتمسك بهذا أكثر إن بقي الحال على ما هو عليه
الآن واستقر على ذلك وتمت المصالحة، بل ربما تذهب التنازلات لأكثر مما ظهر على
الإعلام، لأن هناك اتفاقيات مع مخابرات السيسي لم تظهر بعد وقيادة حماس تؤكد على أنها
قدمت تنازلات كبيرة لإنجاح مصالحتها مع فتح، ومعلوم أن معظم هذه التنازلات لم تظهر
للإعلام حتى الآن وإن كانت هناك مؤشرات تخبر عن بعضها.
ابتدأ البيان بالآية الكريمة وبعض
التعقيبات والتوضيحات التي تفيد بأن صراعنا مع الاحتلال الصهيوني هو صراع عقائدي
تحرري. وهذا واضح من الآية التي ابتُدأ بها وما تلاها من تعليق:
ما سيلي مقتطف من البيان:
{ ولا
يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}
يا جماهير شعبنا المجاهدة من أجل
الحرية و التحرير
نقف اليوم على مفترق طرق خطير..
فإما أن نواصل السير في الطريق الذي يوصلنا للحرية والاستقلال، وهو طريق المقاومة
والجهاد، وإما أن نسير في طريق فرضه علينا عدونا الغاشم يوصل للمهانة والاستعباد،
وهو طريق الخضوع والاستسلام.
فهل نصدق رب العباد الذي نبهنا في محكم التنزيل { لتجدن أشد
الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا}، { ولا يزالون يقاتلونكم حتى
يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، أم نصدق دعاة الاستسلام والهوان الذين يقول لسان
حالهم.. اليهود ليسوا أعداء بل اشقاء يمكن أن نتعاون معهم على أشقائنا العرب
والمسلمين!
هل نصدق حقائق التاريخ التي كشفت نوايا وسلوك بني صهيون الذين
لم يراعوا لنبي قدسية، ولا لآدمي حرمة، ولا لقاعدة أو قانون أدنى احترام!
أم نصدق فريق أوسلو والقاهرة الذي يدعي أن الاستسلام لليهود
والخضوع لشروطهم ومطالبهم المكتوبة في اتفاق القاهرة، هو طريق العزة و الحرية و
الكرامة والاستقلال؟!
أيها
المغرورون ببريق المناصب الزائفة.. أيها المغفلون في زمن اليقظة.. إن كنتم لا
تؤمنون بقوله عز وجل، أأنتم أعلم أم الله ؟! وإن كنتم تظنون أن اليهود قتلة
الأنبياء... وزعماء الكيد على مر العصور ضد الانسانية هم غير يهود اليوم فتأملوا
في دور الصهاينة في أمريكا وأوروبا .. وانظروا في ما تم التوقيع عليه في أوسلو
والقاهرة كيف يجرد شعبنا من كل معاني العزة والكرامة والحرية.. وإن كنتم تزعمون
العبقرية وتدعون القدرة على تفسير بنود الاتفاق من طرف واحد كما تشاؤون فأنتم
واهمون أو مغفلون أو متأمرون!
يا جماهير شعبنا الثائرة
إيمانا بقول ربنا وتصديقا لحقائق
التاريخ فإننا نؤمن أن الصهاينة سيظلون أعداءنا، كيف وهم يتحكمون في رقابنا
ويملكون أرضنا ومقدساتنا ؟! وإن الفترة الانتقالية التي يحاول فريق أوسلو نفخ روح
كاذبة فيها، أكبر دليل على كيد اليهود ودهاء الصهاينة، الذين يريدون توظيف شعبنا
في خدمتهم لبسط نفوذهم على أمتنا العربية و الإسلامية وهي مرحلة فاشلة بإذن الله،
فاشلة لأنها تقوم على أساس ظالم، وفاشلة لأن شعبنا الذي يستعذب الجهاد من أجل
حريته واستقلاله وتحرير وطنه ومقدساته، سيواصل الدرب غير آبه بفئة سقطت في أحابيل
العدو، وغير هياب من مواجهة الاحتلال ورموزه و أدواته وكل جبروته وقمعه وتسلطه.
انتهى من البيان.
وسيتضح لنا مما أكدته حماس في هذه
الفقرة الخامسة من البيان والتي سأضعها أدنى هذا التعليق. فسيتضح لنا حين نعمل
مقارنة بين إدانة حماس لاتفاق القاهرة وبين تصريحات قادة حماس اليوم والتي فيها:
أن حماس تستأمن قيادة مصر – وما أدراك ما قيادة مصر الحالية إنها السيسي وصحبه-
على المصالحة وأن حماس ستوافق على ما تقرره القيادة المصرية وأنها ترى في قيادة
مصر الأمل المرجو لإنقاذ القضية الفلسطينية مما وصلت إليه من نزاع داخلي وانقسام،
يحدث هذا في الوقت الذي تؤكد فيه القيادة المصرية على حفاظها على أمن وسلامة
الاحتلال الصهيوني وأنها لن تسمح بالمساس به حتى أنها تفتخر بعملية السلام والتي
هي في حقيقتها استسلام مصر للاحتلال الصهيوني ليس إلا.
ما سيلي مقتطف من البيان:
خامسا: إدانة اتفاق القاهرة يوم
4/5/1994 و العمل على إفشاله بكافة الطرق الحضارية الممكنة، والعمل على الحيلولة
دون تكريس سلطة الحكم الذاتي العرفاتي إلى أداة من أدوات الاحتلال.
إننا في حركتكم حركة المقاومة
الإسلامية ــ حماس سنظل أوفياء لمبادئنا التي استقيناها من ديننا ومسيرة أبطالنا
ومجاهدي شعبنا.
4- تؤكد حماس على إدانتها لاتفاقي
أوسلو و القاهرة، ورفضها للمشاركة في سلطة الحكم الذاتي، وتدعو حماس الشرطة
الفلسطينية لأداء مهمتها في حفظ أمن شعبنا، وعدم الاستجابة لقيادة السلطة العرفاتية
بالتضييق على أبناء شعبنا المجاهدين، والعمل على حفظ أمن الصهاينة.
و الله أكبر و النصر لشعبنا
المجاهد
حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس
5/6/1994
نهاية البيات
وأخيرًا: فإنني
أرى أن سبب وصول حماس لهذه المرحلة هو تقييدها لمقاومة الاحتلال بالحدود الفلسطينية
فقط و سعيها الحثيث لإرضاء النظام العالمي ومحاولة مجاراته ليقبل بها كبديل عن
حركة فتح ما أدى لدخولها سلطة أوسلو وقبولها بالجلوس تحت قبة البرلمان والذي تحكمه
قوانين النظام العالمي الجائرة ومن هنا وقعت حماس في وحل رعونة افكارها.. وليت
الامور تقف عند هذا الحد ولا أظنها كذلك، بل القادم أدهى وأمر وسيأخذ الحركة إلى
حيث التماهي التام مع سلطة أوسلو وهذا سيؤدي لانشقاقات لا تحمد عقباها..
والله من وراء
القصد
كتبه: الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير
محمد تربان، أبو عبدالله
فلسطين . غزة
10|10|2017م
إرسال تعليق