لمحة
عن ثورة البراق ودور بريطانيا فيها، وكيف نُدفع بريطانيا ثمن جرائمها ونبتزها
لصالحنا ؟
في
عام 1929م تحديدًا في الخامس عشر من
أغسطس نظمت حركة بيتار الصهيونية مظاهرة
تزامنت مع ذكرى خراب الهيكل المزعوم وفقا للتقويم اليهودي، ودعت للتوجه نحو القدس،
وفي اليوم التالي استجاب اليهود وتوجهوا نحو حائط البراق وهتفوا بهتافات تنادي
بحقهم في الحائط.
وفي
يوم الثالث والعشرين من نفس الشهر اندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلمين واليهود، فتدخلت
القوات البريطانية للسيطرة على الموقف ولكنها وكعادتها وجهت قواتها وبنادقها لردع الفلسطينيين
الذين تحصنوا في القدس لحمايتها من المعتدين، ومن هنا وهكذا انطلقت ثورة البراق
والتي هاجم فيها الفلسطينيون مستوطنات الصهاينة ومراكز الاحتلال البريطاني، ودمروا ست مستعمرات تدميرًا كاملًا، وامتدت
الثورة وانفجرت في كل مكان، حيث وصلت بئر السبع والخليل التي قتل فيها 67 صهيونيًا
إلى صفد شمالًا حيث اشتعلت الثورة هناك.
تدخل
الإعلام البريطاني والأمريكي لمناصرة اليهود مبررًا لأفعال العساكر البريطانيين،
فقام بنشر الأكاذيب وتلفيق التهم للفلسطينيين حتى أنه اتهمهم بارتكاب المجازر
ووصفهم بالفاشلين ولم يتعرض لما فعله الاحتلال البريطاني من قتل وتشريد وسجن
وتعذيب للفلسطينيين.
اعتقل
الاحتلال البريطاني تسعمائة فلسطيني وحكم بالإعدام على سبعة وعشرين منهم، ولكن
الحكم لم ينفذ فعليًا إلا في ثلاثة منهم وهم محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير
رحمهم الله.
طالب
الحكام العرب بتخفيف الحكم عن الثلاثة لكي لا يُعدموا ولكن البريطانيين لم يلتفتوا
إليهم ونفذوا الحكم، وذلك في السابع عشر من يوليو لعام ألف وتسعمائة وثلاثين.
مر
عام قبل أن تخبو نار الثورة والتي استشهد فيها مائة وست عشر فلسطينيًا وجُرح مائتين
واثنين وثلاثين، وقُتل فيها مائة وثلاثة
وثلاثون صهيونيًا وجُرح ثلاثمائة وتسعة وثلاثون.
ثم
صدرت توصيات لجنة شو والتي اعتبرت حائط البراق ملكية إسلامية لا علاقة لليهود به.
إذن
فماذا بعد ؟
بما
أن بريطانيا هي التي فتحت الطريق أمام الصهاينة لاحتلال فلسطين بل هي التي سهلت
لهم ذلك ودعمتهم ماديًا ومعنويًا، فلماذا لا تدفع ثمن ذلك، ولماذا هي الآن آمنة من
ضربات المجاهدين، لا أقصد هنا بالضربات أي الضربات العشوائية والتي ليس لها هدف
واضح ومقنع بل ربما كانت نتيجتها لصالح بريطانيا على كل الأحوال.
نعم
لابد أن تدفع بريطانيا الثمن وذلك من خلال ضربها في أماكن أمنية وعسكرية واقتصادية
ولابد أن تعلم أنه لا خيار أمامها للتخلص من هذا الخطر الذي بات يخترق أمنها
ومأمنها، إلا بالوقوف مع الفلسطينيين وقفة جادة تحقق لهم شيئًا من السعة في التحرك
الدبلوماسي والسياسي، وهكذا تصبح الثورة الفلسطينية تعتمد على ثلاثة ركائز بعد
الاعتماد الأصلي والثابت وهو الاعتماد على الله، فسيكون الثوار في الداخل يقارعون
المحتل ويضربونه كلما تمكنوا من ذلك وسيكون حراك ثوري عسكري آخر يلاحق الاحتلال
ومصالحه وداعميه في كل مكان وحراك ثوري سياسي يقوده ثلة من المخلصين ليستثمر
الجهود والتضحيات لصالح القضية وعدالتها، وهكذا سنتجاوز الحالة المزرية التي وصلت
إليها الثورة الفلسطينية من ضعف عسكري وسياسي غير منتج.
بريطانيا
ليست دولة حيادية أو غير معتدية علينا حتى نتعامل معها بلطف وتأمن جانبنا، فهي
التي احتلت فلسطين ابتداء ثم سلمتها للصهاينة تدريجيًا، وكانت تقمع كل حراك ثوري
فلسطيني ينتفض في وجه الاحتلال الصهيوني.
وللتأكيد
والتوضيح أكثر أقول: لا أقصد هنا بملاحقة بريطانيا ملاحقة عشوائية فوضاوية، بل
لابد من انتقاء الأهداف بدقة متناهية بعيدًا عن الاندفاع والتهور، ولابد أن تكون
ضربات موجعة ضد أهداف أمنية أو عسكرية أو اقتصادية منتقاة بدقة متناهية، ويجب أن
يصاحب هذه الأهداف رسالة إعلامية تبث من خلال القنوات الفضائية والشبكة
العنكبوتية، مفادها: أننا لا نستهدفكم عبثًا بل نستهدفكم لأنكم أنتم من سلم بلادنا
للصهاينة والذين طردونا منها بمعاونتكم ومناصرتكم، وها هم يشردوننا يوميًا
ويقتلوننا كل حين بالترسانة العسكرية التي أسستموها لهم، وبالرغم مما سبق، إلا
أنكم لازلتم تناصرونهم وتوفرون لهم كل ما تتمكنون من توفيره من دعم مادي أو عسكري
أو معنوي، ولذا فإننا نطالبكم بالضغط على الاحتلال الذي زرعتموه في بلادنا لكي
يوقف مجازره وأن ينسحب من بلادنا عاجلًا غير آجل.. إلخ.
بهذه
الطريقة من المؤكد أن الشارع البريطاني سيتحرك ضد حكومته وسيضغط عليها وسيكون ضغطه
لصالحنا، وهكذا سنحقق تقدمًا ميدانيًا وسياسيًا مناسبًا مع المرحلة التي نعيش.
وهذا يستدعي منا أن نكون جاهزين إيمانيًا وأمنينًا
وإعلاميًا وعسكريًا، وكذلك يجب الرجوع لأهل العلم الربانيين وأهل الخبرة
الميدانيين قبل القيام بأي عملية من ذلك، لكي لا يقع الإخوة في أي مخالفة شرعية تغضب
الله تعالى أو في أي عمل يعطي نتائج عكسية ليس في صالح الأمة وأهدافها.
قال
تعالى:" وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ
أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين".
كتبه:
الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين
– غزة
25-10-2017م
إرسال تعليق