الجماعة الحق التي
ينصر الله بها الإسلام وأهله
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
وبعد
خلق الله الناس
وجعل منهم أنبياء فضلهم عليهم، وكذلك فضل بعض النبيين على بعض، حتى ختم هؤلاء الأنبياء
الأفاضل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفضله عليهم، قال تعالى" وَلَقَدْ فَضَّلْنَا
بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ"
وكذلك فضل الله
أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم، وفضل بعضها على بعض.
وجعل الله هذا التفضيل
مبني على الخير الذي يقوم به القرن أو الجماعة أو الفرد.
وهذا الخير وإن
كان في القرون الأولى أكثر وأعمق بكثير من القرون التي تلتها، إلا أنه لم ينقطع من
الأمة أبداً كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" مَثَلُ أُمَّتِي
مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ " وهذا الحديث لا
يتعارض مع قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ
الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..".
فالقرون الأولى مقطوع بخيريتها وفضلها على القرون التي بعدها بلا أدنى شك.
والخيرية مقرونة
بالعمل والجد والاجتهاد والإخلاص في سبيل الله تعالى، أمرًا بالمعروف والذي أعلاه وأشرفه
الدعوة إلى توحيد الله تعالى، والنهي عن المنكر والذي رأسه الشرك، وهذا لم يسبق الصحابة
فيه أحد من الأمة، وهو من الفضائل التي فاقوا من بعدهم بها.
قال تعالى:
"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..".
والقرون الأولى
هي أعظم القرون التي نصرت هذه الدعوة الغرّاء بالهجرة والفداء بالنفس والنفيس.
ثم أصبح جل الأمة
الإسلامية يعيشون في مرحلة الاستضعاف بسبب ركونهم لأعداء الله؛ هذا الاستضعاف الذي
شتّت شملها وفرّق جماعتها وبعثر ثرواتها وجعلها نهبة لكل طامع.
واليوم باتت الأمة
تبحث عمن يخلِّصها من هذا الاستضعاف ويعيد لها مجدها التليد الذي بناه أجدادها بدمائهم
وتضحياتهم، إلا أن الأمة لا زالت تعيش في مرحلة الغربة والضعف، والتي نرجو أن تخرج
منها بالالتفاف حول المجاهدين ونصرتهم ومؤازرتهم، لأننا أصبحنا نعيش في زمن يكون النصر
فيه على يد النزاع من القبائل كما أخبرنا سيدنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:
"إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"
قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: "النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ.
حتى الغرباء لا
يخلوا أمرهم من رجل أو رجال يجددون لهم دينهم كما أخبرنا الصادق المصدوق بقوله: صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى
رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.
من المؤسف أن الأمة
الإسلامية تفرّقت إلى جماعات كل بحسب أفكاره وقناعاته؛ فمنها من تبنى القتال فقط كمخرج
للأمة وصرف نظره عن غيره من الواجبات واللوازم، تأجيلًا أو إهمالًا، ومنها من تبنى
التغيير والإصلاح من خلال البرلمانات زاعمًا أن هذا من التدرج وفقه الواقع، ومنها من
اعتمد على التصفية والتربية، ومنها من اعتمد على التعليم والتوعية...إلخ، ومعظم هذه
الجماعات تزعم أن فكرتها هي القادرة على التغيير وتحقيق النصر للأمة ودينها، وكذلك
تزعم أن المجدد لدين الأمة منها، كما أن البعض بات متنكرًا لأفكار غيره من العاملين
في سبيل الله، أو مقللًا لفاعليتها وأثرها الإيجابي في الأمة.
ولكن مع المتابعة
لأقوال وأفعال هؤلاء الإخوة ومع القياس على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع مراعاة
الواقع وفقهه، نرى أن الأمة قد أخذ كل منها جانبًا واعتنى به وترك غيره من جوانب، فيكون
قد قام بالبعض وترك الكثير من الواجبات، وهذا مغاير لما يكون عليه المجددون لدين هذه
الأمة.
فالمجدد لابد أن
يكون قائمًا بأمر الله تعالى كله علمًا وعملًا، ولو أردنا أن نقطع بوصفنا لفرد أو جماعة
أنها المجدد أو أن المجدد منها؛ فإننا لا نجد أحدًا قام بما يستحق به لقب المجدد المطلق
لهذا الزمان، قياسًا على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن بإمكاننا أن
نقول فلان جدد كذا وفلان جدد كذا، أما تجديد الدين كله فهذا لا ينحصر في فرد أو جماعة،
فلا توجد جماعة في الوقت المعاصر حتى الآن جمعت كل لوازم الدعوة إلى الله علمًا وعملًا
بشكل كاملٍ لنقول تلك الجماعة هي المجدد الوحيد لدين الله، ولكن كل الجماعات تجتهد
وتعمل مع وجود تفاوت بينها، ولذا فإنني أجزم بأن المَخرَج للأمة مما هي فيه، هو ما
تقوم به الجماعات الإسلامية المجاهدة كلها بجهودها مجتمعة، من نشر للعلم والوعي والقيام
بالدعوة وواجباتها وحمل السلاح وقتال الغزاة المعتدين...إلخ، فكل هذه الجهود مكملة
لبعضها بعضًا، وأستثني هنا من انحرفوا عن دينهم ومالوا للإرجاء وعملوا على تطويع الأمة
لأمريكا والغرب وخدمة مشاريعهم الاستعمارية في بلاد المسلمين، وكذلك أستثني من مالوا
للغلو وكفّروا الأمة وخرجوا عليها يقتلون أبناءها ليل نهار ببراهين واهية ودواعي مشبوهة
لا تخدم إلا أعداء الأمة.
وما سبق ذكره لا
ينفي وجود طائفة منصورة على أعداء الله وقاهرة لهم منذ بُعث محمد صلى الله عليه وسلم
إلى أن يأتي وعد الله وتقوم الساعة، ففي الحديث قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ
ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ".
وعلى ما سبق فإن
المطلوب عمله من الأمة الإسلامية هو:
1- العمل على توحيد
الأمة من منطلق قول الله تعالى:" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" وقوله:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا"
وقوله:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ
بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ"
وهذا الأمر لا يتم
إلا بالبدء بكبار الشيوخ بالتنسيق بينهم، و التخلي عن حظوظ النفس، وتقديم المصلحة العامة
على المصلحة الخاصة، وتقديم المبادئ على المنافع.
وبهذا تكون الأمة
قد اتفقت على هوية أهل الحل والعقد.
2-كف كل جماعة عن
الطعن والتشهير والتجريح في غيرها، والاكتفاء بالنصح والحوار والنقاش بالرفق واللين.
3-تحديد الأعداء
الذين يجب مقارعتهم سلميًا أو عسكريًا في هذا الوقت، وهذا يتم من خلال علماء الأمة
الربانيين والذين هم أهل الحل والعقد.
4-الاتفاق على أسس
يتعلمها أبناء المسلمين لتوحيد أفكارهم ورص صفوفهم.
فمتى توحدت الأمة
على كتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم، واللذان فيهما كل الأسس الصحيحة السليمة،
كانت هي أمة الخيرية بحق، وكان القائمون على ذلك هم المجددون الحقيقيون لدين الله والذين
فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".
وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
الباحث في الشؤون
الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
أبو عبد الله
فلسطين- غزة
2012م
إرسال تعليق