GuidePedia

0
وقفات سريعة مع الحراك السياسي الفلسطيني منذ انطلاقته حتى مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية 
 قبل التعليق والتعقيب على المجلس الوطني الفلسطيني الأول والثاني وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية أرى أنه من المناسب ذكر التسلسل التاريخي في عجالة خاطفة للحراك السياسي الفلسطيني والاطلاع على كيفية نشأته وتطوراته ..
بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية لفلسطين بسبب ضعفها ثم هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وبعد انسحابها من فلسطين تماماً وذلك في سبتمبر  1918م، لجأ الفلسطينيون للحكومة العربية والتي أقيمت بدمشق، في أكتوبر 1918م بزعامة فيصل بن الشريف حسين، واعتبروا أنفسهم تبعاً لها.
قلتُ : عجباً لأمر القيادة الفلسطينية كيف ترتمي في أحضان حكومة فيصل بن الشريف حسين والذي كان هو وأبوه وأخوه عملاء لبريطانيا وحلفائها .. صحيح أنه ثمة خلاف كان بين بريطانيا وفرنسا وأمريكا على إدارة بعض الملفات في المنطقة وتسليم حكمها لمن وكيف ؟ ولكنهم كانوا مجمعين على وجوب تسليم فلسطين للصهاينة وتوطينهم فيها وإقامة دولة مستقلة لهم، تكن شوكة في حلق المسلمين والعرب ولتكن يد الغرب الضاربة في المنطقة ..
ولذا فإن تصرف القيادة الفلسطيني هذا دليل على إما جهلهم بواقعه وحقيقة ما يدور حولهم وإما أنهم وصلوا لمرحلة من الإحباط بلغت ذروتها آنذاك وإما أنه تم شراؤهم بالمال ليتنازلوا عن قضيتهم بالتدريج. أ-هـ 
ومنذ تلك اللحظة أصبح الفلسطينيون ممثلين في المؤتمر السوري العام، وكان الكثير من رجالاتهم مقيماً في دمشق، وكان منهم نواب في المؤتمر السوري الذي أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920م.

قلتُ: وا عجباه كيف يتوجه الفلسطينيون للالتحاق بالحكومة السورية والأفعى الصهيونية قد تسللت لأرضهم وبدأت بقضمها شيئاً فشيئاً، حتى وإن ظنوا بأن الحكومة السورية ستقف معهم لكن الأولى أن يلتفوا حول بعضهم ويشكلوا جهازاً عسكرياً قوياً متماسكاً ليواجهوا به الاحتلال ويردوا عاديتهن ومن ثم يستعينون بمن يتوقعون نصرة منه .أ-هـــ
بقيت فلسطين تُعرف بـسوريا الجنوبية، طوال عهد الحكومة العربية في دمشق، واستمر الحال على ذلك إلى أن سقطت تلك الحكومة بعد هزيمتها في معركة ميسلون في 24 يوليو 1920م، على يد الحكومة الفرنسية والتي احتلت سوريا بعد تلك المعركة .

 بعد هذه التغيرات التي حدثت في المنطقة التف الفلسطينيون حول أنفسهم وأصبح المؤتمر العربي الفلسطيني، أول تجمع يمثل الفلسطينيين والذي عقد باسم عرب فلسطين سبع دورات خلال 1919م – 1928 م.
وبسبب وجود الاحتلال البريطاني وسيطرته على فلسطين ميدانياً وسياسياً بات الفلسطينيون محرومين من ممارسة حقوقهم السياسية، فاعتبر هذا المؤتمر – المؤتمر العربي الفلسطيني - مؤسسة وطنية تشبه المجلس النيابي، تنبثق عنها قيادة عرفت باللجنة التنفيذية، والتي كانت تمثل الفلسطينيين سياسياً.
وفي أول مؤتمرين، الأول في القدس بتاريخ 27 يناير- 9 فبراير 1919 م والثاني  في دمشق بتاريخ 27 فبراير 1920م، تم التأكيد على أن فلسطين جزء من سوريا، والتأكيد على رفض الهجرة اليهودية، والمطالبة باستقلال العرب ووحدتهم.
ولكن بعد المؤتمر الثالث في حيفا 13- 19 ديسمبر 1920م، أصبح لزاماً على الفلسطينيين أن يديروا أمورهم بأنفسهم، خصوصاً أن الاستعمارين البريطاني والفرنسي أوثقا  قبضتهما على المنطقة ..
 اهتم الفلسطينيون بإقامة حكومة وطنية في فلسطين، تخضع لرقابة مجلس نيابي منتخب من  الشعب العربي.
منذ المؤتمر الثالث- المؤتمر العربي الفلسطيني-، تولى رئاسة اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني والذي أصبح رسمياً زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية إلى حين وفاته سنة 1934م.
قلتُ: في هذه الحقبة كان الفلسطينيون بحاجة ماسة لكبار العقول الإسلامية والعربية تشاركهم القرار وتحمل معهم السلاح ولكن هذا لم يحدث ولا عشر معشاره في المقابل كان المشرفون على مشروع احتلال فلسطين هم رؤساء العالم ومفكريه، فكانت الحالة ألّا مقارنة بين الحراك الفلسطيني والحراك الصهيوصليبي ..
وكذلك لم تتمكن الحركة الثورية الفلسطينية من توحيد الجهود ووضع خطة عملية لمواجهة الاستعمار والصمود في وجهه.

ونتيجة لضعف وتفكك الحركة الوطنية الفلسطينية خلال 1923- 1928 ضعفت فعالية المؤتمر العربي ولجنته التنفيذية، وفي الوقت نفسه، برزت شخصية الحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، والذي قاد الحركة الوطنية من وراء ستار.

 ومنذ 1932 أخذت تظهر الأحزاب الفلسطينية، وكان أولها حزب الاستقلال ثم ظهرت أحزاب الدفاع -النشاشيبية-، والحزب العربي -حزب المفتي، وغيرها، غير أن الحزب العربي الذي حظي بدعم المفتي كان أقواها وأكثرها شعبية.

 ومع وفاة موسى كاظم تلاشى عملياً المؤتمر العربي، وحلت مكانه الأحزاب السياسية.

قلتُ: إنشاء الأحزاب إن كان ناتجاً عن خلاف في التوجهات لا يُعتبر تلك المعضلة الكبيرة بشرط أن يكون الخلاف فكرياً تنوعياً لا خلافاً تضاض، وأن يكون الخلاف ناتج عن الحرص والمصلحة والرؤية المرجحة لأن الخلاف في مثل تلك الأحوال لا يثير الإخوة على بعضه البعض ولا يكون هم الواحد إفشال الآخر وإحباطه بل تكون العلاقة في مثل هذه الاحوال علاقة تواصل وتناصر وحب ومناصحة، ولكن المؤسف والمؤلم في نشأة تلك الأحزاب أن منها من كان لا يلتفت لدينه ولا يسعى لرضى ربه والذي بيده التوفيق والنصر ومنها من نشأ بناءً على تعليمات من أطراف أرادت من هذا الحزب أو ذاك أن يخدم مصالحها وأن يكون يدها الضاربة الرادعة بين الأحزاب .. والخلاصة أن تلك الأحزاب الفلسطينية نشأت ابتداء متناحرة متشاجرة ولذا كان ضررها أكبر من نفعها ..

منذ بدأ المشروع الصهيوني يتغلغل في فلسطين، والفلسطينيون يقاومونه -عسكرياً وسياسياً-، إلا أن مقاومتهم له لم تكن بحجم الهجمة الصهيوصليبية العالمية المنظمة الداعمة لهذا المشروع الخبيث، فكان الحال أشبه بحرب عالمية على الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره!! في هذه المرحلة كان الشعب الفلسطيني يكافح بالكاد حيث كان يقبع بين فكي كماشة والتي تمثلت في التعاون الصهيوصليبي من جهة وفي خيانة الحكام العرب من الجهة الأخرى !!
استمر الفلسطينيون في مقاومتهم العسكرية والسياسية، وكان كل تجمع يقاوم منفردا عن الآخر ودون تنسيق ميداني أو الاتفاق مع غيره على هدف المرحلة !! فالكل كان يجتهد بحسب رؤيته وقناعته واستعداده للتضحية والفداء، حتى ضربت النكبة بأطنابها، وخيم الحزن والألم على المسلمين في كل أصقاع الأرض، وكذا المخلصين من العرب.
وكان الحراك الفلسطيني مشتت وقائم على التناحر العائلي والحزبي والتبعي، ولذا فإنه لم يجتمع قط من تلقاء نفسه ومحض إرادته بل كان لكل اجتماع أو تجمع قصة وحكاية، ومع هذا فلقد احتوى - الحراك الفلسطيني-على قدر كبير من شرائح الشعب الفلسطيني، و لكنه لم يكن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه ولا بحجم التكالب على القضية الفلسطينية، حتى اللجنة العربية العليا لم تكن لتجتمع وتتوحد لولا الضغوطات المتواصلة من الثوار المخلصين مع بداية الإعلان عن الإضراب الشامل بتاريخ 18مارس 1936م والذي عم ربوع الوطن، ليفجر الثورة الكبرى، والتي استمرت من عام 1936م إلى عام 1939م.
قلتُ: وهذا هو الحال المنتكس - الشرذمة والتفرق وعدم الاتفاق على آلية عمل موحدة - الذي لازالت تعاني منه الثورة الفلسطينية حتى الآن ..
في ظل هذه الأجواء السلبية المنتكبة المنتكسة - سياياً وعسكرياً ومعنوياً-، وبعد تلاشي جهود اللجنة التنفيذية العربية بل وانتهائها، نشطت مجموعة من الفلسطينيين وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني لتوحيد الجهود وصهرها في بوتقة واحدة.

التسلسل التاريخي للحراك الثوري السياسي الفلسطيني:
أولا: اللجنة التنفيذية العربية :
 هي أول تجمع وطني تحرك سياسياً باسم الشعب الفلسطيني لمناهضة المشروع الصهيوني ..
    تعتبر اللجنة التنفيذية العربية أول هيئة قيادية فلسطينية للشعب الفلسطيني،  والتي استمرت حوالي أربعة عشر عاماً "منذ المؤتمر الثاني  1920م  حتى 1934م "برئاسة موسى كاظم الحسيني.
ثانيا: اللجنة العربية العليا:
تأسست في 25 أبريل 1936م، بعد أسبوع من اشتعال ثورة 1936م، من الأحزاب والعشائر والطوائف الفلسطينية.
من أهم مكونات اللجنة العربية العليا؛ أحزاب فلسطينية نشطت في فلسطين زمن الانتداب البريطاني وهي:
1-الحزب العربي ويرأسه جمال الحسيني.
2-حزب الدفاع ويرأسه راغب النشاشيبي
3-وحزب الإصلاح ويرأسه حسين الخالدي
4-حزب الكتلة الوطنية  ويرأسه عبد اللطيف صلاح 
5-حزب الشباب ويرأسه يعقوب الغصين
6-حزب الاستقلال ويرأسه عوني عبد الهادي
بعد إعلان الإضراب العام في فلسطين عام 1936م اتحدت تلك الأحزاب مع زعماء العشائر والطوائف في تجمع واحد أطلقوا عليه اسم "اللجنة العربية العليا" وكان ذلك في نفس العام؛ أي في عام 1936م.
تشكلت هذه اللجنة برئاسة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أمين الحسيني .
واصلت هذه اللجنة قيادتها للحراك الوطني في البلاد إلى أن لاحقتها حكومة الانتداب وأمرت بحلها وذلك في عام 1937م ، كما بدأت حكومة الانتداب بملاحقة أعضائها ومطاردتهم ما أدى في نهاية الأمر لتقليص عمل اللجنة بل وإلى توقفها تماما مع الوقت، لتنشط على إثرها الهيئة العربية العليا .

قلتُ:
جاء تأسيس اللجنة عشوائيا بسبب ضغط الثوار على القيادة ولم يكن منطلقا من لجنة منسقة تعرف أهدافها وآلية عملها لتحقيق تلك الأهداف  ولذا فإنه كان من السهل تفكيكها وتشتيت قياداتها وإنهاء أي جهود لها، وهذا من سلبيات العمل العشوائي الذي ينتج بسبب ضغوط معينة وتحت ظروف تطارد صاحبها.
ثالثا : الهيئة العربية العليا:
هي مؤسسة سياسية فلسطينية حلت محل "اللجنة العربية العليا" وذلك بقرار من مؤتمر الجامعة العربية المنعقد في بلودان في 11 يونيو  1946م بعد فشل الفلسطينيين في الاتفاق علي تشكيل هيئة عامة ممثلة لهم،  وقد شُكلت في البداية من الحاج أمين الحسيني رئيسا، وجمال الحسيني نائباً للرئيس، وكل من أحمد حلمي عبد الباقي، إميل الغوري والدكتور حسين فخري الخالدي، أعضاء. ثم انضم إليها بعض رجال حزب الاستقلال، محمد عزت دروزة ومعين الماضي، إضافة إلى الشيخ حسن أبو السعود، اسحق درويش ورفيق التميمي. وقد استقال فيما بعد دروزة والماضي، احتجاجاً منهم على انفراد المفتي بإدارة أمور الهيئة.
اعترفت الدول العربية بالهيئة العربية العليا ممثلة للفلسطينيين.
حاولت الهيئة قيادة الشعب الفلسطيني أثناء حرب ونكبة 1948 م فقامت بتجنيد المتطوعين وتولي أمور تدريبهم وتسليحهم تحت اسم جيش الجهاد المقدس، ولكنه لم يدم طويلا حيث أن الدول العربية  خصوصا العراق والأردن،  نزعت سلاح الفلسطينيين بمن فيهم هذا الجيش والذي أسسته وأشرفت عليه الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني.
وكانت الأنظمة العربية تفرض رؤيتها و قراراتها وأوامرها على الهيئة العربية العليا متجاهلة قيادة الهيئة ودورها !!
 وكان ذلك بدعوى أن القضية الفلسطينية قضية عربية وسيتولى تحريرها الدول العربية !! مع العلم بأن الدول العربية كانت لا تزال تحت النفوذ البريطاني، والأمريكي المتصاعد واللتان كانتا تشرفان بشكل مباشرة على رسم سياسات هذه الأنظمة – العربية -، وتحديد خط سيرها تجاه القضية الفلسطينية.
قلتُ
بداية انطلاقة الهيئة كانت موفقة فلسطينيا إلا أن جهل الفلسطينيين بواقع وحقيقة جامعة الدول العربية أوقعهم في شباكها الخبيثة حيث أن الهيئة انطلقت لجمع الشباب وتدريبهم وتسليحهم إلا أن جامعة الدول العربية كانت لها مآرب أخرى بدليل قيام العراق والأردن بجمع السلاح الفلسطيني من المجندين وهنا تبين لنا أن هدف الجامعة هو جمع الثوار الفلسطينيين في بوتقة واحد ليسهل تحديد عددهم وعتادهم ومن ثم يسهل عليها تجريدهم من السلاح من خلال بعض الدول الأعضاء فيها. بغض النظر عن الدعاوى التي زعمتها الجامعة من أن فلسطين قضية عربية تخص كل العرب وتحريرها واجب على كل الدول العربية، وهكذا وقعت الهيئة في شراك الجامعة وتم تحييدها. كل ذلك كان يحدث بمكر من الصهيوصليبيين الذين كانوا متنفذين في الدول العربية بما فيهم جامعة الدول العربية، فكانت الأوامر من الصهيوصليبيين والتنفيذ من العرب الخائنين.  

بعد عام 1948م اهتمت الهيئة العربية بأمور اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
قلتُ: وهكذا تحولت الهيئة من هيئة تحرير واستقلال إلى جمعية لمتابعة اللاجئين الفلسطينيين.
وفي عام 1964م توقف عمل الهيئة العربية العليا، وذلك بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية.
قلتُ: حتى مسمى جمعية أصبح كثيرا على الهيئة حين أصبحت لا شيء وانتهت جهودها وأي دور فلسطيني لها.

المجلس الوطني الفلسطيني
بعد إعلان الصهاينة قيام دولة إسرائيل لجأ الفلسطينيون لتأسيس المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك في عام  1948 م برئاسة مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا آنذاك الحاج أمين الحسيني وبعضوية أفراد مختارين من المجالس القروية والبلدية ومن رؤساء قبائل وعشائر ووجهاء وأعيان ومديري جمعيات أهلية كانت كلها موجودة في فلسطين آنذاك.
وكان الهدف من تأسيس المجلس الوطني هو تمثيل الفلسطينيين وتبني القضية الفلسطينية والدفاع عنها في المحافل الدولية والرسمية خصوصاً جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة.
كان عدد أعضاء ذلك المجلس 97 عضواً من أصل 151 وجهت لهم الدعوة، فحضر العدد المذكور واعتذر الباقون !!
منذ تأسيسه واجه المجلس الوطني مشكلات وصعوبات عرقلته عن القيام  بمهماته على الوجه المطلوب، وكان أهم هذه المشكلات هو الطعن في شرعيته والترويج بأنه لا يمثل عموم الشعب الفلسطيني، وإنه لم يأت بانتخابات نزيهة وبموافقة ورضا الشعب الفلسطيني، وإنما تم تشكيله وانتقاء أعضائه باختيارات يغلب فيها الهوى، ولكن هذه الاعتراضات والتشويشات لم تكن كافية لزعزعة المجلس والتأثير السلبي على عمله والقيام بواجباته، لولا تدخل ملك الأردن- الملك عبد الله الأول - التدخل السلبي، حيث وضع العصا في دولاب مسيرة المجلس، حين طلب من بعض الفلسطينيين عقد المؤتمرات وتكوين المجالس البديلة في عمان والضفة وغزة، والتي كُلفت بالتحريض على مجلس الحسيني ورفضه والحكومة المنبثقة عنه برئاسة  أحمد حلمي عبد الباقي.

قلتُ:
بغض النظر عن الدوافع الحقيقية وراء تحركات الملك عبد الله الأول واتخاذه موقفاً متشدداً كهذا إزاء المجلس، فإن هذه السياسة كانت توافق رغبات القوى الكبرى وبالأخص بريطانيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي وقفت مؤيدة وداعمة لآراء الوسيط الدولي الكونت برنادوت، الداعي لضم فلسطين العربية إلى إمارة شرق الأردن التي كان يرأسها الملك عبد الله الأول.
وعلى كل الأحوال فإن تحركات ملك الأردن آنذاك –عبدالله- لم تكن تخرج عن سياسة وأوامر أسياده الصهيوصليبيين الذين مكنوا له حكمه بعد خيانات لله والعروبة على حساب الدول العربية ونضالها وأمنها واستقلالها. 
والعجيب أن الذي ترأس المجلس هو الحاج أمين الحسيني والذي كان يشغل منصب مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا آنذاك ولا أعلم كيف سيدير ويشرف على كل هذه المؤسسات في نفس الوقت! فكان الأولى أن يترأس المجلس رجل غيره متفرغ لذلك.

الدورة الأولى للمجلس الوطني وما صدر عنها من قرارات :
انعقدت أول دورة للمجلس الوطني في غزة وذلك في الأول من أكتوبر لعام 1948م برئاسة الحاج أمين الحسيني، بتكليف من حكومة عموم فلسطين والهيئة العربية العليا وذلك لإضفاء الشرعية على حكومة عموم فلسطين والاتفاق على بعض الخطوط العريضة للقضية.
وتعتبر هذه الدورة أهم دورات المجلس الوطني والتي عقدت في الفترة ما بين 1948م – 1964م، حيث قررت :
1- إعلان استقلال الدولة الفلسطينية بحدودها التاريخية كاملة وعدم الاعتراف بقرار التقسيم.
2- إقرار القدس عاصمة للدولة المعلنة  واتخاذ علم الثورة العربية الكبرى عام  1916م، علماً لفلسطين.
3- تشكيل حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي لتمثيل فلسطين في جامعة الدول العربية والمحافل الدولية.
لم تُفعّل هذه القرارات ميدانياً ولم يتم تنفيذها وذلك بسبب موقف الأردن من المجلس، وبسبب التطورات السلبية التي انتجتها السياسة الأردنية داخل الساحة الفلسطينية آنذاك، ما أدى إلى بعثرت  وتشتيت المجلس الوطني  وإنهاء نشاطه وتلاشي ما صدر عنه من قرارات.
استمر توقف و شلل المجلس الوطني الفلسطيني، إلى أن تم تجديد نشاطه  وتفعيله  في عام 1964م، وهذا المجلس هو الذي لا يزال قائماً حتى اللحظة، رغم ما طرأ عليه من انحرافات في المبادئ وتغييرات في القرارات وعبث في المصطلحات .
قلتُ : وهذا المجلس الذي كان يترنح من وصاية لوصاية ومن رعاية لرعاية من خلال دول باعت نفسها للغرب الذي هو سبب مشكلتنا ولبها لم يكن له أن يحقق للقضية انجاز ايجابي محقق يخدم القضية فعليا ويقودها خطوة للأمام على حساب المشروع الصهيوني بل إن أعضاءه والذين لم يكونوا ملتزمين ببرنامج عملي منظم منتظم يسير بخطى ثابتة وينتقل من خطوة للتي بعدها بل كان يسير عشوائيا مرة يجتمع واخرى لا يجتمع وكأن القضية مجرد رحلة ترفيهية . واستمر المجلس يتاجر باسم القضية يجمع الأموال ويحصل على الامتيازات من الدول إلى أن جاء جمال عبد الناصر وأشرف على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بعد قمة عربية دعا لها.

تجديد نشاط المجلس الوطني الفلسطيني  وتأسيس منظمة التحرير بعد القمة العربية التي دعا إليها جمال عبد الناصر:
في عام  1964م  جدد المجلس الوطني الفلسطيني نشاطه ليقود الساحة  السياسية الفلسطينية مرة أخرى، ولكن هذه المرة بطريقة سياسية مغايرة لطريقة المجلس الذي سبقه والذي اندثر بسبب الإهمال الفلسطيني وتحريض ملك الأردن – عبد الله الأول- ضده.
ففي عام 1964م دعا جمال عبد الناصر لمؤتمر قمة عربية، وطرح في المؤتمر موضوع الكيان الفلسطيني، وقال إنه لا يمكن تحرير فلسطين من خلال الدول العربية لأنها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة وملتزمة بقوانينها، كما أن دولة إسرائيل عضو في هيئة الأمم، والقوانين الدولية لا تسمح بالاعتداء على دولة عضو فيها !! لذلك لابد من إقامة منظمة لتحرير فلسطين من الفلسطينيين أنفسهم، ونحن بدورنا نمدها بالسلاح وبالمواقف السياسية والدبلوماسية ! فاعترض الملك حسين على هذا الطرح، فأقنعه جمال عبد الناصر بأنه - أي الملك حسين - سيكون ملكاً على الفلسطينيين واليهود أيضاً. فرضي الملك حسين - كما ذكرت الأخبار آنذاك - وصار يتصرف كالأرعن حسب وصف بريطانيا لتصرفاته !!
وفي نفس العام وتنفيذاً لتوصيات مؤتمر القمة العربي والذي عقد في القاهرة يوم 13 يناير والتي قررت بتكليف أحمد الشقيري - مندوب فلسطين في الجامعة العربية خلفاً لممثل حكومة عموم فلسطين أحمد حلمي عبد الباقي – بالاتصال مع الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية، لأجل إنشاء قواعد سليمة ومتينة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بواجبه؛ من أجل تنشيط الحراك الفلسطيني والنهوض بالقضية بشكل جماعي وموحد.
قلتُ ومن هنا بدأ التفلت العربي بشكل رسمي من القضية الفلسطينية وأصبح الفلسطينيون مطالبون بالدفاع عن أنفسهم والعمل على تحرير فلسطين بجهودهم الخاصة وأصبح دور الدول العربية دور الداعم و المناصر فقط وليتهم التزموا بذلك.
ثم بدأت الدول العربية تتفلت من مسؤلياتها  تجاه القضية الفلسطينية شيئا فشيئا وأصبح الفلسطينيون محدهم في الميدان وكان هذا بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية حديثة الإنشاء بقيادة ياسر عرفات أبو عمار، ولذا فإن أبو عمار هو أول من فتح الباب أمام العرب للتفلت من القضية الفلسطينية وجعلها قضية هامشية بعد أن كانت مسؤولة منهم جميعا.
وهكذا تم لحكام العرب ما أرادوا وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الحراك الفلسطيني مع بعض الإشراف من المجلس الوطني الفلسطيني، وللعلم فإن حركة فتح حديثة الإنشاء حينها كانت هي من تسيطر على المنظمة حيث كان أبو عمار هو قائد حركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية معا.
نشط أحمد الشقيري في عقد سلسلة من اللقاءات مع الفلسطينيين في أماكن وجودهم، ووجه للعديد منهم دعوات لحضور مؤتمر وطني في القدس، للمشاورة والتباحث في إنشاء كيان منظم وجامع للفصائل الفلسطينية الناشطة في الميدان، بهدف السعي المثمر لتحرير فلسطين.
حضر المؤتمر 422 فلسطينياً مع العلم أن الدعوة لم توجه إلا لــ397 فلسطينياً !! تم عقد المؤتمر باسم المجلس الوطني الفلسطيني  والذي خرج بعدة قرارات، من أهمها :  
1-الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيكاً ويؤكد الشعب الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قدماً نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه والعودة اليه، وعلى حقه في الحياة الطبيعية و ممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه.
2- قيام منظمة التحرير الفلسطينية بهدف قيادة الشعب الفلسطيني لخوض معركة التحرير.
3- وضع النظام الأساسي للمنظمة.
   4- اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية  للمنظمة برئاسة أحمد الشقيري.
  5- إصدار الميثاق القومي الفلسطيني.
  6- إصدار قانون انتخاب أعضاء المجلس الوطني.
  7- تشكيل قوات التحرير الشعبية ــــــ جيش التحرير الفلسطيني  ــ .
  8- إنشاء الصندوق القومي.
9-  تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947م وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني.
10- يعتبر باطلاً كل من تصريح بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما.
مضى من عمر المجلس الوطني الفلسطيني أكثر من 44 عاماً ولم يعقد خلالها إلا 21 دورة فقط، وهذا دليل على أن المجلس لم يعمل بنصف ما هو مطلوب منه، لأن لائحته الداخلية نصت على أن ينعقد مرة في  كل عام، وينعقد أكثر من مرة في العام الواحد في الحالات الاستثنائية والطوارئ.

قلتُ:  والمؤسف أن كثيرا من قيادات المنظمة انشغلوا بسفاسف الامور ولم يهتم منهم بالقضية مقاومة الاحتلال فعليا إلا القليل ونتائج هذا ظاهرة عيانا لا تحتاج إلى دليل، كما أن المجلس الوطني والذي أُسس للحفاظ على المقاومة ودعمها هو الذي صوت لصالح المنظمة بخصوص أوسلو والتي تم التنازل عن جل الأراضي الفلسطينية من خلالها كما صوت لصالح المنظمة ووافقها على إلغاء استراتيجية الكفاح المسلح هو الطريق لتحرير فلسطين واعتمدوا السلام ونبذو السلاح وحامليه كما أنه لم يتم تفعيل قرارتها خصوصا المهمة والمصيرية، وهذه الانتكاسات المتكررة والتي ضيّعت فلسطين بموافقة من المنظمة والمجلس الوطني  تستدعي وقفة حازمة حاسمة لنزع هذه المظلة المهترئة وإعلان انتهاء صلاحياتها وتمثيلها للشعب الفلسطيني، واعتماد المقاومة طريقا وحيدا لتحرير فلسطين .

أهم الدورات وما نتج عنها من قرارات
دورتا 1965 و1966
تعتبر الدورة الثانية والثالثة واللتان عقدتا عامي 1965 و1966، مراجعة لما تم إنجازه وفقاً للقرارات والتوصيات الصادرة عن الدورة الأولى، وتأكيداً على الخط الفكري والنهج السياسي للمنظمة.
    أصبح المجلس الوطني الفلسطيني جزء من مكونات منظمة التحرير يصادق على خطها السياسي وقراراتها المهمة فيكسبها نوعاً من الشرعية.
عقدت الدورة الثانية في القاهرة بنفس العدد الذي حضر الدورة الأولى وهو422.
 في الدورة الثالثة والتي  عقدت في غزة تفاجأ الحضور بزيادة العدد إلى 466 عضوا.
لم تحدث معارضة تذكر لهذه الزيادة الغير قانونية وهذا فتح الباب أما القاصدين للتسلل دون رقيب أو انضباط !! حدث هذا بعيداً عن آلية النظام الانتخابي للمجلس من شروط ومواصفات للعضوية بلغت في تفصيلاتها 73 مادة !! والتي تعتبر كصمام حفظ وأمان للمجلس؛ عدداً وقرارات وتوصيات.
استمر العدد في الزيادة والنشاط في الترنح حتى وصل العدد إلى 700 عضواً في دورة 1996م والتي عقدت في غزة. 
قلتُ : وهكذا استمرت الفوضى في الحراك الفلسطيني والخطوات اللا مسؤولة وما الزيادة وعدم المراجعة الجدية لدوافعها إلا جزء يسير من هذه الخطوات اللا مسؤولة والتي ضربت القضية الفلسطينية وحيويتها في مقتل.
استمرار ارفتاع العدد حتى وصل إلى الـ 700 سببه سيطرة حركة فتح على الحراك السياسي الفلسطيني ورفع  زيادة عدد أعضاء المجلس من ناشطيها لكي يصوتوا لها في أي قرار حاسم يقره ابو عمار زعيم الحركة وهذا ما تم بالفعل حتى أن المجلس وافق على إسقاط بند الكفاح المسلح هو الخيار لتحرير فلسطين. وكل هذا بأمر من أبو عمار وموافقة من حركته فتح المسيطرة على المجلس الوطني الفلسطيني.
مقدمات استقالة الشقيري:
انعقدت الدورة الثانية للمجلس الوطني -الجديد- في القاهرة وذلك في عام 1965م، واستعرض فيها الشقيري ما تم انجازه منذ الدورة السابقة والتي عُقدت قبل عام من تاريخه وما قامت به اللجنة التنفيذية برئاسته، واستعرض ما تم بخصوص إنشاء القوات العسكرية والصندوق القومي ودوائر المنظمة المختلفة واستقرار الأمور الإدارية في مقرها العام بالقدس.
في نفس الدورة قدم الشقيري استقالته فقبلها المجلس، ولكنه ما لبث وأن منحه الثقة وجدد له رئاسة اللجنة التنفيذية ومنحه حق اختيار أعضائها.
واضح إذن من الدورتين الأولى والثانية لهذا المجلس وبالأخص من لحظة تأسيسه ومجريات جلسات دورته الأولى، أن إنشاءه جاء خطوة ضرورية لمنح الشرعية الشعبية للمنظمة الوليدة المسماة؛ منظمة التحرير الفلسطينية، وواضح كذلك أنه أصبح منذ تلك اللحظة بمثابة الهيئة الاستشارية العليا للمنظمة
ولكن السؤال الذي لم تتم الإجابة عنه بشكل واضح ورسمي هو: هل المجلس يعتبر المرجعية الوحيدة والعليا للشعب الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه وتوجهاته- تنظيمات وجمعيات وأفراد- سواء أكانوا من جسم  منظمة التحرير الفلسطينية أم لا- كحماس والجهاد-أم أن الأمر كما أعلنته قمتي الرباط
قلتُ: وهذا كله دليل على ضعف القيادة الفلسطينية وكثرة العابثين بقراراتها من الدول العربية والتي هي تابعة في تحركاتها للغرب المعتدي.


وفي دورة  عامي 1973م - 1974م، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني !! ؟.

قلتُ:  والعجيب في هذا القرار أن المنظمة كانت هي التي تدير الأمور وهي القيادة الميدانية الفاعلة و هي القيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني ! فما هو الجديد الذي أضافوا غير مضيعة مزيدا من الوقت والاستنزاف.
 

تأسيس حركة فتح بقيادة عرفات:
        عمد الملك فيصل بن سعود وأمير الكويت لإقامة منظمة من الفلسطينيين المتواجدين في الكويت وكان ياسر عرفات معروفاً لديهم ولدى الأردنيين، وكان حوله مجموعة من المثقفين وخاصة من المهندسين، فاعتمدوا عليه وقاموا بتشكيل منظمة أطلقوا عليها " ف .ت .ح " فتح، وهي ذات جناحين أحدهما سياسي والآخر عسكري.
تاريخ تأسيس الحركة:
يقول القائد الفتحاوي المؤسس-أبو جهاد- خليل الوزير أن حركة فتح أنشأت على يد خمسة فلسطينيين بالكويت وذلك في عام سنة 1957م.
في أواخر عام 1966 م وأوائل العام الذي تلاه نشطت حركة فتح عسكريا وقامت بمجموعة من العمليات القوية والتي شهد بقوتها وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك.

بناء على الظهور القوي  للحركة  وتوسعها التحق بها العديد من التنظيمات الفلسطينية الصغيرة مثل: منظمة طلائع الفداء لتحرير فلسطين (فرقة خالد بن الوليد) في 7 سبتمبر/أيلول 1968م، وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني في 13 سبتمبر/ أيلول 1968م، وجبهة ثوار فلسطين في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1968م، وقوات الجهاد المقدس في 12 يونيو/ حزيران 1969م. وأصبحت جميع هذه المنظمات تمثلها قوات " العاصفة ".

قلتُ: نشطت حركة فتح عسكريا وقامت بعدة عمليات ضخمة جعلت الصهاينة يتخبطون في قراراتهم وردات فعلهم ولكن سرعان ما التف الصهاينة على الجهود الفتحاوية من خلال الدول العربية والتي كانت ولازالت ذنبا للغرب تنفذ سياساته في حين كانت فتح بل وكل الحراك الفلسطيني يرجع للدول العربية ولا يتجاوز توجيهاتها والتي لم تتحمل مسؤولية قط بل كان دورها سلبي في محفل وبالفعل تم ملاحقة و محاصرة الحراك الفلسطيني عموما والمتمثل بحركة فتح في معظم تحركاته ومن ثم خضعت فتح واستجابة للضغوطات التي جعلت الحراك العسكري للحركة ضعيف جدا قياسا بحراكها السابق.

استقالة الشقيري وتولي عرفات قيادة المنظمة عام 1964م:  
في عام 1968م وبعد هزيمة الــ67 عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الرابعة في القاهرة برئاسة عبد المحسن القطان، وفي هذه الأثناء كانت الفوضى قد عمت والحالة الثورية قد انتشرت، وأصبح اسم الثورة مطية لكل أحد خصوصاً من يجد له داعماً قوياً في المحافل الرسمية والشعبية.
وفي هذه الحالة ومع انتشار الثورة و كثرة أدعيائها قفزت حركة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية وسيطرة عليها - سيطرة تامة علاوة على سيطرتها السابقة بحماسة شبابها واندفاعهم وضعف الشقيري ومن معه - وذلك من خلال زيادة أعداد منتسبيها -فتح- حيث  تمكنوا من إنجاح الناطق الرسمي باسم حركتهم ياسر عرفات، في الانتخابات التي جرت على رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في نفس الدورة قدم أحمد الشقيري استقالته معتذراً بالقول: أصبحت بيئة العمل داخل المنظمة غير مهيأة لاستمراريته.
بعد استقالة الشقيري تم اختيار يحيى حمودة خلفاً له، واختيار خالد الفاهوم لرئاسة المجلس الوطني والذي ظل يشغل هذا المنصب حتى عام1984 م.
قلتُ : هكذا سيطرة حركة فتح على المنظمة وسيطرة المنظمة على المجلس وسيطر أبو عمار على كل ما سبق فأصبح القرار ارتجالي من عرفات وسلبياته على القضية الفلسطينية برمتها.

دورات 1969 -1970 - 1971  ورَفضُ مبادرة روجرز:
في ضوء المتغيرات التي حصلت في الموقف العسكري المصري الإسرائيلي على جبهة قناة السويس، تقدم وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز في 20/6/1970 بمبادرة خلاصتها وقف إطلاق النار لمد ثلاثة أشهر لحل النزاع. وافقت مصر وإسرائيل.
كان الشغل الشاغل لهذه الدورات الثلاث – والتي عقدت ثانيتهما عام 1970 م بصورة استثنائية في عمان -، بلورة موقف سياسي إزاء مبادرة وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز التي قبلها الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
أصدر المجلس الوطني قراراته برفض المبادرة معللاً ذلك بعدم تعرضها لحق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية بحدود 1948م، ولأنها -على حد وصف المجلس- تقود إلى الاعتراف بدولة إسرائيل.
مبادرة روجرز بلسان مهندسها
قال وليام روجرز في أحد المؤتمرات يوم 9 ديسمبر  1969م :
"سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تشجيع العرب على قبول سلام دائم وفي الوقت نفسه تشجع إسرائيل على قبول الانسحاب من أراض محتلة بعد توفير ضمانات الأمن اللازمة، وإن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات تحت إشراف جوناريارنج وبنفس الترتيبات التي اتخذت في رودس عام 1948م، وكمبدأ عام فإنه عند بحث موضوعي السلام والأمن فإنه مطلوب من إسرائيل الانسحاب من الأراضي المصرية بعد اتخاذ ترتيبات للأمن في شرم الشيخ، وترتيبات خاصة في قطاع غزة مع وجود مناطق منزوعة السلاح في سيناء".
قابلت القاهرة تصريح روجرز بالصمت التام وبغير تعليق يظهر الرفض أو القبول، أما إسرائيل فقد بادرت إلى رفض مبادرة روجرز.
كان جمال عبد الناصر في زيارة للاتحاد السوفياتي خلال شهر يوليو عام 1970 م عندما قال في اجتماع مع بريجنيف يوم 16 يوليو، وهو اليوم السابق لعودته للقاهرة انه قرر قبول المبادرة الأمريكية، موضحاً سبب ذلك في أن القوات المسلحة تحتاج إلى فترة لالتقاط الأنفاس والانتهاء من مواقع الصواريخ على الشاطئ الغربي للقناة بعد أن بلغت خسائر المدنيين الذين اشتركوا في بناء قواعد الصواريخ 4000 شهيد. وكذلك قال جمال عبد الناصر للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي إن قبول مصر للمبادرة سوف يحرج إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وأمام أمريكا أيضا وذكر أنه لا يعتقد أن لهذه المبادرة أي نصيب من النجاح وفرصتها في ذلك لا تتجاوز نصف في المائة.
أعلن جمال عبد الناصر قبوله لمبادرة روجرز يوم 23 يوليو في العيد الثامن عشر للثورة وتفجرت ردود الفعل في أنحاء العالم فقد كان الإعلان مفاجئاً بعد فترة صمت امتدت أكثر من شهر !!
علم الإسرائيليون بقبول عبدالناصر للمبادرة فخرجوا للشوارع يرقصون فرحاً لأن هذا كان بالنسبة لهم، بمثابة الإعلان عن انتهاء حرب الاستنزاف التي أرهقتهم نفسياً ومادياً وكبدتهم الخسائر الكثيرة في الأرواح !!
قلتُ: لا تعليق !! فهكذا  يفكر من لا يحترم عقل شعبه ومن يأمن جانبهم وإن فعل ما فعل..

دورتي 1972 م- 1973م  و بداية تفريط منظمة التحرير الفلسطينية بالثوابت والحقوق الفلسطينية :
 بدأ تفريط منظمة التحرير الفلسطينية بالثوابت والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بشكل رسمي من خلال دورتي 1972 - 1973م وكان الذي يقود كبر هذه التنازلات هو ياسر عرفات ومن هنا بدأ بنسج الثوب الخرب البالي والذي انتهى بسلطة فلسطينية شغلها الشاغل وهمها الأكبر هو التنسيق الأمني  مع الصهاينة والذي يصب في مصلحة الكيان الصهيوني في كل أحواله.
فمن هاتين الدورتين كانت بداية زعزعة الحلم الفلسطيني وارباك المقاومة وتشتيت المخلصين الذين جمعهم حب الدفاع عن وطنهم بالكفاح المسلح ضد الاحتلال الغاشم، حيث انحرف المجلس الوطني عن الجادة الوطنية واتخذ بعض القرارات التي ظهرت منها التغيرات الجذرية في فكر منظمة التحرير فيما يتعلق بحلم الدولة.
حيث أن منظمة التحرير قامت على أساس العمل من أجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة على كل حدود فلسطين وعدم الاعتراف بقرار التقسيم وبالتالي عدم الاعتراف بالعدو الإسرائيلي.
قلتُ: ولكن منظمة التحرير الفلسطينية تنازلت بعد ذلك عن فلسطين وقبلت بسلطة فلسطينية تعمل تحت سلطة الاحتلال الصهيوني وتخلت عن خيار الكفاح المسلح وقبلت بالحل السلمي مع الصهاينة في الوقت الذي لم يتخل فيه الصهاينة عن رصاصة واحدة.
وهنا زعموا أن إقامة السلطة هي بداية  قيام الدولة الفلسطينية المستقلة !! وبدأت البوصلة بالانحراف العلني باسم الوطنية:
ففي دورة 1972م الاستثنائية التي عُقدت في عمان تبنى المجلس الوطني الفلسطيني فكرة الدعوة إلى "الدولة الديمقراطية العلمانية"  وفي دورة القاهرة عام 1973م، اتُخذ قرار يدعو إلى إقامة السلطة الوطنية المستقلة  للشعب الفلسطيني على كل جزء يتحرر من الأراضي الفلسطينية، بشرط ألا يكون ثمن هذا الكيان الفلسطيني  - السلطة- الاعتراف بإسرائيل أو عقد الصلح أو التنازل عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير.
تعتبر نتيجة دورة 1973 م، من أسوأ ما أنتجته الاجتماعات الفلسطينية الرسمية والغير رسمية من قرارات، حيث أنها وضعت  للمقاومة مشروعاً سياسياً  انهزامياً  بكل المعايير والمقاييس، حين اعتمدت مراحل متدرجة للوصول إلى الهدف النهائي وهو تحرير فلسطين!! وهكذا كانت بداية شرعنة التنازلات والحلول الانهزامية وحل ظلام الهزيمة والانبطاح والاستسلام للصهاينة المجرمين.

وفي دورة 1974م رحب المجلس الوطني بتأييد الدول العربية لقيام سلطة فلسطينية على كل أرض يتم تحريرها !!
في هذه الدورة رحب المجلس الوطني بنتائج القمة العربية المنعقدة في الرباط عام 1974م والتي حسمت بصورة نهائية النزاع بين الملك الأردني الحسين بن طلال ومنظمة التحريرالفلسطينية، حيث صدر قرار بالإجماع جاء فيه:  أن قادة الدول العربية يؤكدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على كل أرض يتم تحريرها،  وكان هذا القرار تدعيماً للمنظمة ولمجلسها الوطني، وقد ساعد الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوة ياسر عرفات إلى إلقاء خطابه الشهير من على منبرها في أكتوبر من العام نفسه.
قلتُ: إن القمم العربية لا تنعقد بدون موافقة من أمريكا فكيف تعتمد المنظمة الفلسطينية على مثل هذه القمم وانكشفت سوءة المكيدة أكثر بعد تدخل الجمعية العامة للامم المتحدة وموافقتها لياسر عرفات بإلقاء خطاب من على منبرها ومعلوم ان الأمم المتحدة لا يمكن أن توافق أو تقدم على خطوة لا تكن مصلحة الصهاينة مقدمة على مصلحة الفلسطينيين .

في عامي 1975 م-1976 م لم ينعقد المجلس !!!
قلتُ: وما المانع من الاجتماع ؟ هل هي كثرة المعارك والاقتحامات على الصهاينة ؟ مع العلم أن من الشروط المتفق عليها أن يجتمع المجلس كل عام مرة وفي حالة أي طاريء يجتمع اكثر من مرة !

وفي عام 1977 م عقد المجلس دورته في القاهرة؛ والتي  استمرت من 12 إلى 22 مارس،  أطلق عليها دورة الشهيد كمال جنبلاط.
استخدم المجلس في بيانه عبارات لتعزيز التضامن العربي بديلاً عما كان مستخدماً من قبل من عبارات الوحدة العربية والاتحاد العربي وما إلى ذلك.
 جاء المجلس الوطني الخامس أكثر شمولاً من المجالس التي سبقته، وكان ذلك ضرورياً بسبب المكانة التي أخذت منظمة التحرير تتمتع بها في الساحات العربية والدولية بعد أن اعترف بها ممثلة شرعية ووحيدة للشعب العربي الفلسطيني في مؤتمري القمة العربيين في الجزائر  1973 م والرباط 1974م، وبعد أن اعترفت بها عشرات الدول الاشتراكية والأفريقية والإسلامية والصديقة، وبعد أن أصبحت عضواً كامل العضوية في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وعضواً مراقباً في هيئة الأمم المتحدة.
و في هذه الدورة والتي عقدت عام 1977م ، تقرر إنشاء المجلس المركزي الفلسطيني ليكون حلقة وصل بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية للمنظمة بين كل دورتين عاديتين من دورات المجلس ويعتبر رئيس المجلس الوطني رئيساً للمجلس المركزي.
قلتُ: كانت هذه الايام كافية ان يراجع المجلس حساباته ويتراجع عما اقره من قرارات سلبية ضارة في القضية وحيويتها ولكنه لم يفعل بل راح ليؤسس لمجلس جديد ليكون حلقة وصل بينه وبين اللجنة التنفيذية وهذه قمة الهزلية والوضوح بأن الحراك الفلسطيني لم يكن على قدر المسؤولية بل كان العمل مزاجي أكثر منه جدي ولو كان غير ذلك ما احتاج الحراك لمجلس يوصل المجلس الوطني باللجنة التنفيذية وكأنهما دولتين متباعدتين متنافرتين مختلفيتين في المصالح والطموح.
لمحة عن المجلس المركزي: هو عبارة عن هيئة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني ومسؤولة أمامه وهو جزء من المجلس الوطني، أي أن أعضاءه أعضاء في المجلس الوطني، وقد نصت اللائحة الداخلية على أن يتم تشكيله من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني وعدد من الأعضاء يساوي على الأقل ضعفي عدد أعضاء اللجنة التنفيذية. أما بخصوص المهام فقد نصت اللائحة على: الالتزام بمقررات المجلس الوطني وألا يخرج عنها في قراراته بشأن الأمور الطارئة، وإقرار الخطط التنفيذية التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية ومتابعة تنفيذ اللجنة لما قرره المجلس الوطني، ونصت اللائحة أيضًا على تشكيل لجان تهتم بعمل الدراسات العلمية والأبحاث وتطلع على عمل دوائر المنظمة وتقوم سيرها.


وفي دورة 1979م اجتمع المجلس الوطني  في دمشق، وهاجم اتفاقية السلام – المعروفة بكامب ديفيد-المصرية الإسرائيلية وأدانها .
قلتُ: ولكنه بعد ذلك أقر ما هو أسوأ منها وألزم الشعب الفلسطيني به وتعامل معها كأنها مصيرا محتوما للقضية الفلسطينية العادلة.

بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل والتي وقعت عام 1979م
المادة الثانية:
إن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي.
المادة الثالثة:
1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم، وبصفة خاصة:
- يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي.
- يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها.
- يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.
2- يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر.
كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة.
3- يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميز المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع.
كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الثالث) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها بالتوصل إلى إقامة هذه العلاقات، وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة. انتهى

وفي دورة 1981م  والتي عقدت  في دمشق أيضاً، اعتبر المجلس الوطني أن الحراك والمناصرة العربية للقضية الفلسطينية لابد أن يكون على ما يلي :

    1-الحقوق الوطنية الفلسطينية.
    2-الحق في العودة.
3- الحق في تقرير المصير.
4-السيادة في دولة مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
5-التأكيد على أهمية الحوار الأردني الفلسطيني.
قلتُ: ومع انعقاد هاتين الدورتين بدأت العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني بالتقارب مع السعودية والتي بدأت بالحراك الدولي والإقليمي بعد اكتشاف البترول وتوفر السيولة المادية الكبيرة  والتي مكنت لها من التدخل في سياسات بعض الدول العربية .
وقد رحب ياسر عرفات آنذاك بالمبادئ الثمانية لمشروع فهد كأساس لتسوية إسرائيلية عربية بعد انسحاب إسرائيل من أراضي عام 1967م " مقابل الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش  بسلام " في إشارة إلى حق إسرائيل في الوجود والعيش في سلام مع جيرانها العرب!!  ووصف ياسر عرفات هذه المبادرة بأنها " جيدة وبرنامج مهم للغاية من أجل إقامة سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط" !!

دورة 1983م واستفحال الاستبداد العرفاتي وأثره السلبي على القيادة الفلسطينية ما أدى إلى الانشقاقات والنزاعات والتي لاتزال القضية الفلسطينية تعاني منها حتى اللحظة: 
تميزت دورة المجلس الوطني هذه والتي انعقدت في الجزائر عام  1983 م بنشاط ملحوظ وبقرارات مهمة أعادت إلى واجهة العمل السياسي منظمة التحرير الفلسطينية كمتحدث وحيد باسم الشعب الفلسطيني تبدي رأيها وتبادر بتقديم رؤاها وتصوراتها بدلا من الأنظمة العربية التي حاولت القيام بهذا الدور سواء النظام المصري عام 1979م أو السعودي عام 1981م.
وتميزت كذلك بشيء مهم أصبح فيما بعد علامة بارزة في النظام السياسي الفلسطيني إذ ظهر في هذه الدورة تغول اللجنة المركزية لمنظمة التحرير على صلاحيات المجلس الوطني وقدرتها على توجيه النقاش باتجاه قرارات بعينها تريدها اللجنة ورئيسها ياسر عرفات، الأمر الذي أحدث انشقاقات فيما بعد.

كان هم المجلس في الدورة المذكورة وضع برنامج سياسي يحظى بتوافق الفصائل الفلسطينية حفاظاً على الوحدة الوطنية واستقلال القرار والكفاح المسلح. وانطلاقاً من هذا قرر المجلس قبول مشروع فاس باعتباره "عتبة دنيا لمبادرة سياسية تجمع بين مقترحات الدول العربية وبالأخص ما جرى التفاوض عليه بين ياسر عرفات والملك حسين بخصوص الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية، والاقتراحات المقدمة في مشروع وزير الخارجية السوفياتية ليونيد بريجينيف".
وكان أهم ما في قرارات المجلس الخاصة بقبول مشروع فاس؛ انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 م وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وحق اللاجئين في العودة أو التعويض والسلام بين الدول العربية وإسرائيل.
وقد سببت قرارات المجلس الوطني في دورته تلك انشقاقات في صفوف المقاومة وحركة فتح عبرت عن نفسها فيما بعد فيما سمي ببيان الانفصال الذي تلاه العقيد أبو موسى أمام المجلس الثوري لفتح في عدن وحدد فيه ثلاث نقاط اعتبرها كافية للتمرد، متهما ياسر عرفات باحتكار الرأي السياسي وتوجيه مستقبل الكفاح المسلح وفقا لرأيه. وقد سار على نفس منوال الاعتراض والانشقاق أحمد جبريل طاعناً في الخط السياسي لعرفات.
دورة 1985 م وفيها وافقة المنظمة على مبدأ الأرض مقابل السلام
عُقدت هذه الدورة في عمان وكان أهم قراراتها الترحيب باتفاق عمان بين المنظمة والأردن والذي نصت أهم بنوده على قبول مبدأ الأرض مقابل السلام وموافقة المنظمة على عقد مؤتمر دولي للسلام تحضره كل الأطراف بما فيها إسرائيل، غير أن هذه الدورة شهدت وربما للمرة الأولى تكرار عبارة "نبذ الإرهاب" وقد نصت الاتفاقية على نبذ الإرهاب من قبل المنظمة. وعبارة الإرهاب هذه ستستعمل كثيراً فيما بعد وستختلط بسببها أوراق كثيرة وعناوين لم تكن تسبب خلطاً من قبل كالمقاومة والكفاح المسلح وعلاقة ذلك بما يسمى الإرهاب.

دورة 1988م وإعلان الدولة الفلسطينية:
انعقدت هذه الدورة بعد مرور عام تقريباً على الانتفاضة الأولى والتي كانت في أوج انطلاقتها، وبعيد اغتيال المؤسس الفتحاوي والقائد البارز في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير أبو جهاد، وبعيد تقرير الملك حسين قطع جميع الروابط القانونية والإدارية بين بلده والضفة الغربية، وفي الوقت الذي دعا فيه ياسر عرفات من على منبر البرلمان الأوروبي إسرائيل إلى عقد سلام الشجعان.
وفي نوفمبر عام 1988 م، و في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، أعلن عرفات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس !!.
 صوّت المجلس على قبول قرارات الأمم المتّحدة رقم 242 و 338، التي تعترف بسيادة كلّ الدول في الشرق الأوسط، و لتكون القرارات مع الحق الفلسطيني في تقرير المصير، قاعدة لمؤتمر سلام دولي.
بعد ذلك بشهر أي في ديسمبر 1988م  فتحت الولايات المتحدة خطاً دبلوماسياً مباشراً مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن ذلك الخط انقطع وساءت العلاقة مع الولايات المتحدة ومن تحالف معها من الدول العربية في حربها ضد العراق وذلك بسبب وقوف المنظمة مع العراق ومناصرتها له في الحرب، حدث ذلك في عام 1991م.
غير أن كل ذلك لم يغير شيئاً على الأرض، حتى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف الذي أُعلن في ذات الدورة قوبل ببرود أميركي، حتى أن الولايات المتحدة رفضت إعطاء ياسر عرفات تأشيرة دخول للذهاب إلى نيويورك حيث مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة .

قلتُ: وهذا من الأدلة الواضحة على عشوائية القرار السياسي الفلسطيني والذي تسبب في تعثر الحراك السياسي جملة.


دورة 1991م والموقف من مؤتمر مدريد:
أرادت منظمة التحرير الفلسطينية المشاركة في مؤتمر مدريد لكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لكن إسرائيل رفضت مشاركة وفد المنظمة منفرداً واشترطت عليه الاندماج مع الوفد الأردني وأن توافق مسبقاً على أعضائه، وأبت أن يكون هؤلاء الأعضاء من منظمة التحرير أو من المقيمين في القدس الشرقية أو مفوضين من فلسطينيي الشتات، كما رفضت مسبقاً الدولة الفلسطينية.
في هذه الظروف عقد المجلس الوطني دورته في الجزائر برئاسة عبد الحميد السائح في الفترة من 23 إلى 28 سبتمبر 1991 وبعد انهاء دورته خرج بإعلان سياسي مؤكداً على النقاط التالية:
    1-ضرورة انعقاد مؤتمر مدريد على أساس القرارين 242 و338 تحت شعار "الأرض مقابل السلام".
    2-الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وبحقه في تقرير مصيره وفي الاستقلال والسيادة.
3-حق اللاجئين في العودة.
    4-تعهد الإسرائيليون بالانسحاب من القدس الشرقية.
   5- الوقف الفوري لإقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
   6- تفكيك المستوطنات المقامة بصورة غير قانونية في الأراضي المحتلة.
   7- تسمية الممثلين الفلسطينيين في مؤتمر السلام من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بدون تدخل خارجي.
    8-ضمان الروابط بين مختلف مراحل السلام، والسيادة الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية على الأرض والماء، والاستقلال في إدارة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
ورغم كل هذه المبادئ التي أكدها المجلس الوطني وخاصة في شأن تمثيل منظمة التحرير وضرورة وفد فلسطيني مستقل، فإن المجلس المركزي الفلسطيني خالف ما انتهى إليه المجلس الوطني فرضخ للضغوط الأميركية وللشروط الإسرائيلية وقبل بفكرة الوفد المشترك الأردني الفلسطيني بعد حصوله على كتاب تأكيد من الإدارة تحدد فيه المبادئ الأساسية التي ترشد مسعاها فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أي بأفكارها الأساسية وتوجهاتها الإستراتيجية في مفردات القضية الفلسطينية (اللاجئون، الدولة، القدس،...إلخ).

قلتُ: وهذا عين القبول بالوصاية الأمريكية المشروطة بالتعليمات الصهيونية وهو قمة التعدي على حقوق الفلسطينيين.

دورة أبريل من عام 1996م الدورة الأخيرة وإلغاء بنود من الميثاق الوطني
عُقدت هذه الدورة نتيجة لما تم الاتفاق عليه بين ياسر عرفات و إسرائيل عام 1995م، بالاتفاق الذي عُرف باسم اتفاق طابا والذي كان نتيجة طبيعية لاتفاق إعلان المبادئ في أوسلو.
كان ياسر عرفات قد دخل مع إسرائيل في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاق أطلق عليه اتفاق طابا (أوسلو رقم2 يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995) وكان قد اتفق معهم على أن "تتعهد منظمة التحرير الفلسطينية بأن يجتمع المجلس الوطني الفلسطيني بعد شهرين من اطلاع المجلس التشريعي(وهو مجلس تشريعي له سلطة تشريعية نصت على تكوينه نفس الاتفاقية) بمهماته ويتولى التصديق نهائيا على التغييرات الضرورية المتعلقة بالميثاق الفلسطيني". 
 كما نص البند التاسع من المادة 31 .

 كان عرفات راغباً في الإسراع بالدخول في مفاوضات الحل النهائي، وهذا دفعه للقبول بشروط إسرائيل الداعية إلى ضرورة تعديل الميثاق الفلسطيني (النص الأساسي) وذلك بحذف المواد والبنود التي تدعو إلى تصفية الصهيونية قبل الدخول في مفاوضات الحل النهائي!

اجتمع عرفات برئاسة سليم الزعنون في غزة بأكثر من 700 عضو من أعضاء المجلس الوطني (لا يوجد رقم فلسطيني رسمي لعدد من حضروا، البعض يقول 787 والبعض 737 والبعض يؤكد أنهم 717، لكن الإجماع أنهم تجاوزوا الـــ 700 عضو) وقرروا بأغلبية ساحقة تعديل الميثاق بحذف المواد التالية:
    (المادة 2): تشكل فلسطين في حدودها خلال الانتداب البريطاني وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.
    (المادة 9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحرير فلسطين.. ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح وتحضير ثورة شعبية مسلحة لتحرير بلده والعودة إليه.
    (المادة 16): تحرير فلسطين هو من وجهة النظر العربية واجب وطني.. يهدف إلى إلقاء الصهيونية من فلسطين.
    (المادة 19): تقسيم فلسطين في عام 1947 وإقامة دولة إسرائيل هما غير قانونيين كلياً أياً كان الوقت الذي انقضى، لأنهما مناقضان لإرادة الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في وطنه.
    (المادة 20): ... كما أن اليهود لا يشكلون أمة واحدة لها هويتها الخاصة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.
    (المادة 22): الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضوياً بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحريري وأي حركة تقدمية في العالم، إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، وعدائية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في نهجها.

         وافق المجلس الوطني على إلغاء هذه المواد من الميثاق في ظل غياب مكونين مهمين من مكونات منظمة التحرير هما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة جورج حبش.
نتج عن هذه الدورة للمجلس  اضطراب فلسطيني داخلي وإبداء عدم الرضا من كثير من الفصائل والتجمعات والشخصيات الفلسطينية، لأنها تنازلت عن كثير من المبادئ والمسلمات الفلسطينية لإسرائيل دون مقابل، وشككت الكثيرين في منظمة التحرير وجعلتهم ينظرون بعين الريبة واللا مصداقية لها، خصوصاً أولائك الذين كانوا يمجدونها ويتعاملون معها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتجاوز الشعب في أخذ قرارات مهمة حاسمة كهذه دون المراجعة والأخذ في الحسبان كل أطياف الشعب الفلسطيني.
 إلا أن السلطة لم تأبه بتلك الانتقادات بحجة أن هذه القرارات كانت موضوعة على جدول الأعمال من قبل وأن تعديل المواد المجرّمة في الميثاق كان مندرجا في تصويت المجلس الوطني المؤيد لمشاركة منظمة التحرير في مسار السلام عام 1991م والاتفاقات المبرمة في أوسلو عام 1993م.
 قلتُ: هكذا تخلت منظمة التحرير الفلسطينية بمجلسها الوطني عن أهم ما أُسست لأجله والعجيب أن أنصارها لايزالون يواصلون معها الطريق بالرغم من تخليها عن أساسياتها الوطنية وما ذاك إلا لأجل بعض الامتيازات المادية والنفوذية.

وفي يناير من عام 1996م انتخب ياسر عرفات رئيس:
انتُخب ياسر عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية وفي نفس اليوم تم انتخاب أعضاء المجلس التشريعي والذي فازت به حركة فتح بالأغلبية:
لم يكن اكتساح فتح للانتخابات أمرا مستهجناً ولا دليلاً على أن المجتمع الفلسطيني بغالبيته العظمى مناصراً لفتح ومؤيداً لمشروعها وبرنامجها السياسي.
أبداً؛ ولكن الذي حدث هو احجام التنظيمات الفلسطينية عن الانتخابات لأنها وحسب رؤيتهم نتجت عن قرارات المجلس الوطني والذي لم يكن منتخباً من عموم الشعب الفلسطيني بل كان الأعضاء ينتسبون له بالتزكية وبحسب العلاقات التنظيمية والعائلية وكذلك منظمة التحرير والتي تشكلت غالباً على نفس طريقة المجلس.
من هنا كانت نتائج الانتخابات غير معترف بها عند جل التنظيمات الفلسطينية، خصوصاً ذات الشعبية الكبير في الشارع الفلسطيني، ولذا قاطعت الانتخابات الفلسطينية وتركت المجال لحركة فتح تكمل مشروعها بنفسها والتي – التنظيمات- كانت تراهن على فشله، بسبب عدم جديته منذ انطلاقته وضعف الأسس التي بني عليها.
من هنا أصبح الشعب الفلسطيني بين مؤيد للسلطة بالكلية، وبين متردد، وبين معارض وهم الأكثر سيطرة على الشارع الفلسطيني.
 وكما قلت فإن اكتساح حركة فتح للانتخابات كان نتيجة لمقاطعة كبرى التنظيمات الفلسطينية للانتخابات، وليس لقناعة الفلسطينيين بالمفاوضات مع الصهاينة، ولا موافقة منهم على تنازلات المنظمة والمجلس عن المبادئ والأسس التي تم ترسيخ مشروع المقاومة الفلسطينية عليها، كما حدث في دورة 1996 من التنازل والتخلي عن أهم المبادئ وأكثرها تأثيراً؛ كخيار الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وعدم الاعتراف بقانونية إسرائيل ... إلخ.
الخلاصة:
ميدانياً لم يتمكن المجلس الوطني الفلسطيني من حسم القرارات الفلسطينية المصيرية بموافقة الشعب الفلسطيني عليها وكذلك لم يتمكن من إقناع الفلسطينيين أنه ممثلهم الوحيد والرسمي وذلك بسبب حالة الفوضى التي تشكل بها والعشوائية التي تم اختيار الأعضاء من خلالها وكذلك الحال في المجلس المركزي ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بقيادة ياسرعرفات والتي سيطرت على كل المشهد السياسي منذ انطلاقتها .
وبالرغم من اجتهادات المخلصين وطنياً من رسم الخطوط الفاصلة بين المجلسين التشريعي الفلسطيني والمجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ومدى حدود كل منهم، والقول إن الأول جزء من الثاني- يقصد التشريعي جزء من المجلس الوطني- كما صرح بذلك؛ أمين سر حركة فتح فاروق القدومي، فإن العلاقة بين الاثنين بل بين الجميع لا تزال متشابكة مختلطة والحقيقة أن ياسر عرفات هو الذي كان يقود كل هذه التجمعات، ولهذا فإنني أقطع جازماً بأن القول بأن المجلس الوطني حتى اللحظة هو الهيئة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني أمر غير صحيح وهذا ما اتفقت عليه كبرى التنظيمات الفلسطينية.
فالمجلس الوطني سواء مجلس أمين الحسيني أو المجلس الحالي الذي بدأ بالشقيري ويرأسه الآن سليم الزعنون لم يتكون بناء على انتخابات جرت بين تجمعات الفلسطينيين في الداخل أو الشتات، وإنما جرى اختيار أعضائه وفقا لتقسيمة الحصص، وأن يكون داخل جدران كيان سياسي اسمه منظمة التحرير الفلسطينية ليكون المجلس مرجعاً أعلى لهذه المنظمة اسماً وليس حقيقة.
ومن هنا نتج الخلاف بين كل من حركتي حماس والجهاد ومن تبنى رأيهم من الفصائل الفلسطينية من جهة وبين حركة فتح و منظمة التحرير و المجالس الوطني والمركزي والتشريعي من جهة أخرى، و لسيطرة حركة فتح على المشهد والقرار الفلسطيني بالكلية ولهذه اللحظة، فإن المعترضين من الفصائل الفلسطينية لايزالوا يطالبون بإجراء انتخابات فلسطينية في الداخل والشتات، ليأخذ كل فصيل مركزه ومكانته الحقيقية بناء على شعبيته داخل النسيج الفلسطيني.
كما أن فلسطينيي الشتات لم يشاركوا في انتخابات السلطة الفلسطينية أو المجالس التي أوصلت السلطة للحكم، لذا أصبحت سلطتهم منقوصة بتجاوزها لفلسطينيي الشتات. فأصبح عندنا اعتراضان، الأول: من فلسطينيي الشتات بسبب تهميشهم وإجراء الانتخابات بدونهم. والثاني: اعتراض الفصائل الفلسطينية والتي لازالت تعترض إلى هذه اللحظة على كل نتائج المجلس وتبعاته من تشكيلات فلسطينية أو قرارات سياسية .
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى عام 2000 سعت الفصائل الفلسطينية لتوحيد الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، ومن هنا انطلقت الحوارات الداخلية، والتي كان لمصر دوراً هاما في قيادة تلك الحوارات.
استمرت الحوارات حتى توصلت الفصائل في القاهرة لاتفاق في مارس 2005 م، والتي كان من بنوده تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني لذا لابد أن تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، وكذلك تم الاتفاق على أن تكون البداية الحقيقية بانتخاب مجلس وطني جديد وتشكيل لجنة لتفعيل هذا المطلب وسط التجمعات الفلسطينية خاصة في سوريا ولبنان و دول الخليج وأوروبا والأميركتين. (إجراء انتخابات في مخيمات الفلسطينيين في الأردن يلقى حساسية شديدة لدى السلطات الأردنية)
 لكن اللجنة لم تفعّل وتلاشت قراراتها مع سيل الخلافات التي كانت واقعاً تعيشه الفصائل فيما بينها، وتحولت هذه الخلافات من تضارب في الآراء والأفكار إلى تضارب بالنار والرصاص وهكذا دخلت القضية الفلسطينية في أصعب مرحلة مرت بها منذ احتلال فلسطين من قبل بريطانيا ومن بعدها إسرائيل.

انتخابات عام 2006 وفوز حماس
كان الفلسطينيون على موعد مع الانتخابات التشريعية وذلك مطلع عام 2000م إلا أنها وبسبب اندلاع انتفاضة الأقصى وتزاحم الأحداث وتشعباتها تم تأجيلها تلقائياً من عام لعام حتى وصلنا لعام 2005م.

وفي مارس 2005م اجتمعت الفصائل الفلسطينية الكبيرة واتفقت فيما بينها على أن تتم الانتخابات التشريعية في يوليو من نفس العام.
وافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إجراء الانتخابات والذي لم يَفُتْهُ حضور ذلك الاجتماع والمشاركة والمشاورة مع الفصائل، لكن الانتخابات لم تتم في هذا الموعد- يوليو 2005م- بل تأجلت لشهر يناير 2006م .
تظاهر كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل بعدم قبولهم بمشاركة حماس في الانتخابات ولم يكن هذا مقصدهم بل كان هذا الخطاب الرافض لمشاركتها في الانتخابات مجرد استدراج لها حتى تدخل النفق المظلم الذي حفره لها الصهاينة وحلفاؤهم، وبالفعل تم ذلك وشاركت حماس في الانتخابات وفازت فيها فوزاً كان متوقعاً من كل المتابعين .

منذ اللحظة الأولى لإعلان حماس مشاركتها في الانتخابات وأنا أرى أنها قد أقدمت على إقحام نفسها في نفق مظلم مليء بالمغامرات والمخاطر وأنها في أحسن أحوالها لن تخرج منه بدون خسارات جسيمة.
قبيل الانتخابات وأثناء دخولي للمسجد نادى عليّ الدكتور محمد يونس "أبو ضياء رحمه الله"، فأجبته.
فقال لي: لما تعترض على الانتخابات  ؟ ما هي دوافع رفضك لتقبلها أو المشاركة فيها ؟
فقلت له: لأنها لا تجوز شرعًا، ولأنها فخ لاستدراج المقاومة وعلى رأسها حماس لأجل استنزافها وإذا شاركت حماس فستفوز حتمًا وهذا سيجعلها بين خيارين. إما أن تقبل بأوسلو علانية وتعترف بإسرائيل.. إلخ، وهذا سينهيها كحركة مقاومة، وإما أن ترفضها وتتحدى النظام العالمي وهذا سيجعلها وجهًا لوجه معه وهذه مغامرة صعبة، في نهايتها لن تنجو حماس من آثارها المدمرة وعلى المقاومة وستكون كالحبل على رقبة حماس كلما تحركت زاد ضغطه على رقبتها. فإذا وافقت النظام العالمي على اتفاقياته وطبقتها فستنتهي ولم تعد حركة مقاومة وإن عاندته فسيطحنها لدرجة لا نعلم لأي حد تؤثر على حماس.
فقال لي: رأيك هذا له وجه. انتهى.
ولازلتُ أؤكد أن مشاركة حماس في الانتخابات خطأ كبير، وكان الصواب أن تبقى حركة مقاومة حرة بعيدة عن السلطة والحكم وعن كل القيود والاتفاقيات الدولية.

كتبه/ الباحث في الشئون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان ( أبو عبد الله )
فلسطين – غزة
1-2-2015م 

إرسال تعليق

 
Top