GuidePedia

0
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد
قبل البدء بذكر ما هو متوجب على التيار الجهادي تجاه فلسطين وكيف ممكن أن ينصر قضيتها العادلة في ظل تزاحم التنظيمات داخلها وإصرارها على عدم قبول غيرها في الميدان من التنظيمات خصوصًا التنظيمات ذات الأهمية بين أبناء الإسلام والتي لها وقع في نفوسهم ويستهوونها ويميلون لمقاومة المحتل من خلالها.

أرى أنه من الضروري المرور سريعًا على مسيرة حركة حماس والاطلاع على المتغيرات التي أُجبرت عليها وهذا نلاحظه من خلال المتغيرات التي مرت بها الحركة.

اعتمدت حماس وركزت على ترسيخ مفهوم المقاومة الفلسطينية على أساس المطالبة بفلسطين الإسلامية من النهر إلى البحر، ثم بعد أوسلو رفعت شعار لا للحل السلمي الاستسلامي وكانت ترى أن اتفاق أوسلو وما يؤدي إليه وما ينتج عنه كله باطل ومخالف لأبجديات مقاومة الاحتلال الصهيوني، ولكننا رأينا بعد ذلك تدافع وتسابق حماس مع الزمن لأجل الدخول في أوسلو رغبة ورهبة، وكيف وصل بها الحال بعد دخولها في سلطة أوسلو وانقلاب العالم الإجرامي الإرهابي عليها ، وكيف أن النظام العالمي رفضها ورفض التعامل معها ما لم تتنازل عن خيار المقاومة وعن عقيدتها حول حدود فلسطين المعاصرة وهي من النهر إلى البحر وأن تعترف رسميا أنها - فلسطين- من حق الاحتلال الصهيوني وهذا ما نعرفه جميعًا بمصطلح الاعتراف بإسرائيل.

مقارنة بسيطة وسريعة بين حماس الماضي وحماس الحاضر حول الانتخابات:

من مذكرة حماس حول الانتخابات الفلسطينية والتي أصدرتها في 16/1/1996م:

"الانتخابات الفلسطينية تتم في مرحلة لازال فيها الاحتلال يحتفظ بالسيادة على أرضنا وثرواتنا ومقدساتنا’ بل ويهيمن بشكل مباشر على معظم المناطق الفلسطينية.. هذه الانتخابات تكرس هذا الواقع الاحتلالي وتعطيه الشرعية التي أعطاه إياها اتفاق أوسلو أيضا’ ومن جهة أخرى فإن وجود الاحتلال أثناء هذه الانتخابات يضرب بعمق دعاوى نزاهتها وحياديته."
ولكن حماس ما لبثت وأن شاركت في الانتخابات وتوغلت فيها حتى باتت جزءًا أساسيًا من سلطة أوسلو، إلا أن الصهيوصليبية لم يحلو لها ذلك فقامت بتحريض أذنابها وعملائها في السلطة على حماس، فقاموا باستفزازها وعدم التجاوب معها ما اضطرها لحسمهم بالقوة وهكذا تمكن الصهيوصليبيين، من استدراج حماس ووضعها في دائرة مغلقة وأحكموا إغلاقها، فحاصروها في قطاع غزة بعد أن انسحب قيادات السلطة من حركة فتح إلى الضفة الغربية حيث رام الله، وذلك قبيل وأثناء الحسم.

وهنا سؤال: إذا كانت حماس ترى أن أوسلو وانتخاباتها خطوة غير مرحب بها ثوريًا لأنها تخدم الاحتلال الصهيوني أكثر من خدمتها للمقاومة وبرنامجها. فلماذا شاركت فيها لاحقًا ؟
مشاركة حماس في الانتخابات كان من منطلقات عدة أهمها الحفاظ على مشروع المقاومة والتي ارتأت أنها بحاجة لجسم كبير وممول بشكل مستمر لتحمي به المقاومة وتستقطب فيه شبابها لتوفر لهم معاشاتهم الشهرية بعد أن أصبح تكدس أعدادهم مرهق لها وباتت عاجزة عن توفير ما يلزمهم في معيشتهم شهريًا. فهنا كان خطأ حماس أنها اعتمدت أسلوبًا تعبويًا تجنيديدًا شعبيًا في المقاومة فكانت تعتمد على التجنيد والتجنيد حتى لو أدى ذلك لتكديس المجاهدين، وهذه الطريقة خطأ كبير لأنها ومع الأيام وتوسع حماس في قطاع غزة جعل أعداد جنودها تتضخم حتى أثقلوها و أرهقوها بالتكلفة المادية.. في هذه المرحلة تم عقد الانتخابات فرأت حماس أن هذه فرصة لتشغيل أبنائها والحفاظ على سلاح المقاومة وتطويرها، وبالفعل شاركت في الانتخابات.
وعلى ما سبق من تجربة حماس فإنني أنصح أي حركة ثورية ألا تقيد نفسها بالمشاركة في أي حكومة، لأن ذلك سيجعل احتياجات الشعب على عاتقها وهذا سيثقل كاهلها وسيعيقها عن مسيرتها الثورية وسيستنزفها ويجعل جل أوقاتها وطاقات شبابها منصرف للقيام باحتياجات الشعب وهذا صعب بل مستحيل طالما أن هذه الحكومة لا تملك حدودًا مفتوحة تمكّنها من التواصل مع العالم الخارجي بكل أريحية لتوفر لوازم الشعب ومتطلباته، وهذا ليس على إطلاقه بل يجب على من يريد أن يشارك في الحكم أن يكون عنده العدد الكافي لذلك حيث لا يشغل الثوار بإدارة شؤون المنطقة، لأن انشغالهم سيستنزفهم ويحرق أوقاتهم وهذا سيؤثر سلبًا بدرجة كبيرة على الثورة وتحقيق أهدافها.

وهنا عندنا طريقتان للحراك الثوري:

الأول: تشكيل مجموعات وتضخيم أعدادها بشرط أن يكون الحراك الثوري قادر على التكفل بهم وبلوازمهم المعيشية، ويكون الثوار قادرون على ردع السلطة القائمة لو تصدت للثوار وأرادت إجهاض ثورتهم، حتى لا تتغول عليهم وتفنيهم وتبدد ثورتهم.
الثاني: أن يعمل الثوار من خلال مجموعات صغيرة جدًا بطريقة عنقودية متقطعة معتمدين في ذلك على التواصل غير المباشر كطريقة النقاط الميتة مثلًا، حيث يتمكنون من ضرب الاحتلال في قلب أمنه ومأمنه واقتصاده وحيويته، مع عدم معرفة أحد لهم ولتحركاتهم، وفي هذه الطريقة يحتاجون إلى منابر إعلامية لتوصيل ما يريدون توصيله لأنصارهم من أفكار وتحريضات ...إلخ، كما أنهم يحتاجونها لتوصيل رسائل تحمل شروطهم ومطالبهم وما يريدون انتزاعه من أعدائهم. وفي حال أصبح عند الثوار قوة ومنعة حقيقية تؤهلهم لاستقطاب أعداد كبيرة للانتقال بالثورة لمرحلة أخرى، فأرى أنه لا حرج بالقيام بذلك لأنه مناسب ولا يتعارض مع القدرة البشرية والحركة الثورية الميدانية.
ملاحظة مهمة: كل ما تم ذكره في المقال أعلاه يصح أن نقوله في أي حراك ثوري في أي دولة.
والله الموفق

كتبه: الباحث في الشؤون الشرعية والسياسية
 تيسير محمد تربان
فلسطين – غزة
27-9-2017م



إرسال تعليق

 
Top